كانت صفحات القرّاء في الصحف اليومية إلى فترة ما هي نبض الشارع وبنك الهواجس والهموم العامة، لكنها لم تكن في نهاية المطاف تنشر كل شيء، فالشائعات والهواجس غير المبرّرة لا تجد طريقها للنشر في العادة، ناهيكم عن أن الكتابة للصحف تحتاج إلى بعض المقومات التي لا تتوافر لدى كل الناس. ثم مع ظهور الإنترنت والمنتديات الإلكترونية، تحوّلت إليها فئة من الناس، خصوصا الشباب، وأخذ الإنترنت يستقطب الأجيال الجديدة، لكن على الرغم من عدم اشتراط إجادة الكتابة للمشاركة في هذه المنتديات، إلا أنها تشترط التسجيل فيها، مع احتفاظ إدارة المنتدى بحق تعليق أو شطب عضوية من يخرج عن المألوف في طرحه. ويبدو أن جهاز «بلاك بيري» تفوّق على كل تلك الوسائل وأصبح هو البنك المركزي للآراء والشائعات والهواجس، لأن هذا الجهاز استطاع تلافي عيوب أو معوقات أو موانع التواصل وإبداء الرأي عبر الوسائل القديمة. كما يمتاز بسهولة الاستخدام وسرعة التواصل، والكتابة فيه مثل الكلام الشفهي، كما أنه وسيلة تواصل تحيط مستعملها بنوع من السريّة، إذ تنعدم فيها أو تقلّ الرقابة الذاتية، ففي العادة يتواصل الأشخاص مع أشخاص يعرفونهم جيدا، لا يترددون في مكاشفتهم بما يعتقدونه وما يفكرون فيه، وهؤلاء بدورهم يتواصلون مع أشخاص يثقون بهم، وهكذا. وكل مدمن أو متحمس لهذا الجهاز أو متفاعل معه أو ناشط فيه، تصله يوميا عشرات الأخبار والأقاويل والشائعات، بالإضافة إلى النكات والتعليقات والمعلومات، وهو بدوره ينقلها إلى أشخاص مثله، بحيث أصبح «البلاك بيري» منبر مَنْ لا يريد أن يكون له منبر علني ومباشر وبطيء التفاعل. ومن المهم الآن وقد أصبح كثير من الناس «بلاك بيريين»، خصوصا فئة الشباب، وهم أكثر الفاعلين والمتفاعلين في المجتمع، أن يُشكّل فريق رسمي أو حتى تطوّعي، مهمته متابعة ما يُتداول في هذا الجهاز، من خلال الاشتراك في المجموعات التي تتشكّل فيه بطريقة أو بأخرى، يتحسّسون من خلاله نبض الشارع ويقفون على همومه وهواجسه ويعرفون مزاجه، ويحيل الفريق بدوره ما وصلهم إلى الجهات المعنية لتتخذ ما تراه مناسبا. مدونة أحمد أميري http: //www.ahmedamiri.ae/