لم تمر في التاريخ السعودي الحديث أرقام ضخمة في حجم الإنفاق الحكومي مثل هذه السنة، ويكفي منها ما سيتم إنفاقه على قطاع الإسكان الذي بلغ 250 مليار ريال متجاوزا ميزانيات دول كثيرة. هذا الضخ الكبير في قنوات التنمية استدعى وجود جهة تراقب سير العمل وتقطع الطريق بالرقابة على من يحاول أن يعكر صفو الخير الوفير ليتسنى له الاصطياد واستغلال حجم ورشة عمل التنمية التي نسمع هديرها في كل المناطق. لذا جاء إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في الوقت المناسب لحماية الثروة الوطنية من تسربات المتلاعبين، وتحد من مفارقات أسعار المشاريع وواقع التنفيذ وتوقف متاهات مقاولات الباطن التي هبطت بمعايير الجودة إلى أدنى مستوياتها. إن استبشارنا بولادة هذه الهيئة لا يقل عن ابتهاجنا بأرقام الأنفاق، ولا يزيد عن فرحتنا بعودة وسلامة مليكنا الغالي الذي قرأ تطلعات الشباب وترجمها بالأوامر الملكية السامية، ومن أبرزها هذه الهيئة التي تعد مرجعية تنفيذية ذات أبعاد أخلاقية ودينية تنطلق منها الجهود الجماعية لمكافحة الفساد لتحاصره في دائرة ضيقة وتتمكن من اجتثاثه، وعلى الإعلام أن يساهم في تسليط الضوء على الزوايا المظلمة ليفضح خفافيشها، وذلك من أجل أن ننعم بنهضة تنموية تنقلنا إلى الإمام وتشعرنا بأن مليارات العطاء آتت ثمارها، فمن الغبن والظلم للوطن والمواطن أن توجه قيادته الكريمة بصرف تكاليف التنمية ثم لا تنفذ على الوجه المطلوب، إننا أمام تحد وطني كبير والجميع مسؤول، كل حسب موقعه ودوره المنوط به، وأن نقف صفا واحدا ضد كل من يحاول أن ينقص التنمية بحبائله الفاسدة، وستذكر لنا الأجيال القادمة موقفنا وتشهد على إنجازنا وتحفظ لكل الشرفاء الذين شاركوا في هذه التنمية وحققوا تطلعات ملك استثنائي أراد أن يكون وطنه نبراسا يهتدى به ونموذجا يحتذى به.