لا يلمس الكثير من أهالي الأحياء دورا ملموسا للعمد في مقار الأحياء، حتى بلغ الأمر إلى الدرجة التي صعد بها البعض المطالبة بإلغاء دور العمد، ما دام كما يقولون «وجود بلا فائدة». لكن العمد الذين يعترفون بتقلص دورهم عما سابق، يشكون الكثير من الويلات والعراقيل والصعوبات التي تواجههم في محيط عملهم، حتى إنهم باتوا يواجهون تحديات كبيرة تتمثل في عجزهم عن أداء الدور المنوط بهم في حفظ أمن الأحياء السكنية، ومساندة القطاعات الأمنية. ويكشفون أنه يأتي في مقدمة التحديات ضعف الإمكانيات، ويقولون «أفلا يكفي أن يغيب المقر عن كل العمد، فيعتمدون على مكاتبهم الخاصة أو الدوام في مراكز الشرط، إضافة إلى حجم العمل الذي لا يتوافق مع الوضع الوظيفي لهم». وتحدثوا أن الإمكانات المتاحة لهم لا تساعدهم في أداء عملهم بالشكل المطلوب، حيث تنقصهم الآليات التي تمكنهم من كشف الكثير من المشاكل التي تواجههم داخل الأحياء، لأن العمدة يكاد يكون بمفرده وسط أحياء تعج بمئات الوافدين من مختلف الجنسيات، وإذا وجد معه مساعد أو اثنان فهم من كبار السن، ولا أمل إلا بتفعيل دور العمد بالشكل الصحيح، وبما يمكنهم من تطوير وحماية أحيائهم وأن يكونوا عينا متيقظة دائما. هم يرون أنهم مرتبطون بالمواطن بشكل كبير، ووضعهم يؤهلهم إلى معرفة الكثير عن الساكنين أخلاقيا واجتماعيا، ويجب أن يرتبط العمدة بشكل مباشر بمركز المعلومات الوطني لكي يتمكن من التعرف على الوضع الأمني للفرد المراد التصديق له، والتحقق من شخصيته، خوفا من التصديق على أوراق أشخاص من سكان الحي ربما مطلوبون أمنيا، والسبب عدم توافر خدمة الاستفسار عن الشخص. واقع العمد عندما بدأ تسكين العمد، لم تتم مراعاة ما يحملونه من مؤهلات علمية، رغم أن الاتجاه لدى الجهات المسؤولة قطع شوطا في اتجاه الخطوات التطويرية للارتقاء بعمل العمد من خلال موجة التعيينات التي تمت أخيرا على نطاق واسع، غير أن هذه التعيينات كانت على بند المستخدمين 31 ،32 ، 33، وهو البند الذي يعمل منذ أكثر من 30 عاما تقريبا والذي استحدث لمن لا يحملون مؤهلات علمية، ليكون لهم مصدر رزق. لكن مع النهضة التعليمية التي تشهدها المملكة في كافة المجالات التعليمية، تم الاتجاه إلى إلغاء هذا البند والتوجيه بتعيين كل موظف على مرتبة وظيفية تتناسب مع مؤهلاته وخبراته، وقد استفادت شريحة كبيرة من مجتمع الموظفين السعوديين من هذا القرار الصائب والموفق في كافة القطاعات الحكومية المختلفة، غير أن من تم تعيينه عمدة ببعض المحافظات وتوابعها لم يطلهم طائل الخير الذي طال غيرهم، فهم ما زالوا يقبعون على هذا السلم في ظل غياب واضح للأسباب. البحث عن التعديل العديد من العمد المعينين على هذا السلم، يعترفون أن العقود مرت إلا أنهم لم يلحظوا تطورا في وظائفهم، لذا فالمطالبة الأولى تتمثل في تخليصهم من البند. وأوضح العمدة سلطان الداموك أنه «تم تعييني على هذا السلم منذ أكثر من 20 عاما، وكان تركيز أهالي الحي لأتولى العمودية خلفا لوالدي الذي كان عمدة الحي، مما دعاني وأجبرني على القبول والموافقة، والتحول إلى هذه الوظيفة، لكن الصراحة تقتضي الاعتراف بأنني كنت آمل يوما بعد يوم وعاما بعد آخر في أن تتحسن الظروف، غير أنني اصطدمت بواقع مرير يتمثل في طول الانتظار على هذا السلم الذي يفتقد إلى كافة المميزات الوظيفية، ومنها قيامي على تأثيث مكتبي على حسابي الخاص، والتجول بسيارتي الخاصة من راتبي الذي لا يتجاوز 2500 ريال آنذاك، فعلى الرغم من الدور المهم والحيوي الذي يقوم به العمدة إلا أن الإمكانات المقدمة لي لا تساعدني على القيام بتلك المهام خير قيام، مما ينعكس سلبا على دور العمدة، خاصة أن العمد حلقة وصل بين المواطن والجهات الرسمية الأمنية منها والاجتماعية». مهام طويلة ويشير العمدة حامد ربيح السفياني إلى المهام التي يمارسها العمد «نقوم بتصديق أوراق كثيرة ومتنوعة للسكان مثل شهادات الميلاد، وشهادات الوفاة، وشهادات التعريف لجميع الدوائر الحكومية والأهلية ، وتصديق أوراق التوظيف، والضمان الاجتماعي، والتسجيل في المدارس والكليات والجامعات، وتعريف للكفالة، وتعريف لإطلاق السجناء، والتصديق على التواقيع والتصديق على أوراق التجنس واستخراج البطاقة الشخصية ورخص القيادة وغير ذلك، كما نساهم في الحفاظ على الأمن في المحافظة أو الحي ومعرفة ما يدور فيه، بالإضافة إلى تسجيل السكان والمواقع المهمة والمحال التجارية في الحاسب الآلي، ومساعدة السكان المحتاجين للمساعدة، وحل المشاكل التي تواجه السكان، وإصلاح ذات بينهم، وتقديم النصح والتوجيه لأبناء المحافظة، والتوسط للسكان عند المسؤولين لقضاء حوائجهم بما يحقق الصالح العام، ومساعدة أسر الفقراء والأيتام والعاطلين في المحافظة وسد حاجاتهم، كذلك عمدة المحافظة أو الحي يعتبر ممثل الجهات الرسمية في تلك الأماكن لنقل الصورة الصادقة عن السكان واحتياجاتهم للمسؤولين، والمشاركة في حملات التفتيش والمداهمات التي تقوم بها الجهات الرسمية، من هنا تبرز أهمية الاهتمام بهؤلاء العمد، وفي مقدمة ذلك يتطلع العمد إلى توفير مكاتب خاصة بإصلاح ذات البين في مكاتبهم، وذلك من خلال تفعيل دور لجان إصلاح ذات البين وذلك للإسهام في حل أكثر من 60% من القضايا الموجودة في المحاكم وأقسام الشرطة وغيره، والحقوق المدنية والمرور، مع تفعيل مكاتب الإصلاح مما سوف يقوم بحل الكثير من المشاكل بين الناس، شريطة أن يعمل في هذه المكاتب رجال يحبون الخير وعمل الخير، وبذلك تساهم الشرطة في حل المشاكل الاجتماعية التي تقع في المجتمع، وتمنع مخالفة أو جريمة قد تقع بين المتخاصمين، ويعرف الكثيرون أن مساهمة الشرطة في حل المشاكل الاجتماعية، سوف يكون له مردود وأثر وانطباع طيب ويرسم صورة مشرقة عن الشرطة، ورجالها في إصلاح المجتمع، وأمن وأمان للمراجعين الذين يقصدون الشرطة لحل مشاكلهم». وأقترح أن يكون لمكاتب العمد إدارة عامة تقوم بالإشراف عليها، وتطوير سير العمل فيها مستقلة عن الشرطة وتزويدها بالأنظمة والتعليمات، ووضع البرامج لتعاون مكاتب العمد مع الدوائر الرسمية وغيرها، ومشاركة العمد في كل قضايا التحقيق التي تتم في مراكز الشرطة لضمان الحيادية، وإعطاء مكاتب العمد الإمكانيات والصلاحيات والصفة الرسمية للقيام بدورها الصحيح في إدارة الحي، وحل المشاكل التي تقع فيه، وكذلك تقديم الدعم المعنوي والبشري والمكتبي، وذلك لجعلها نقطة البداية في حل المشاكل التي تحدث بين السكان «وإذا ما قامت مكاتب العمد بذلك فسوف يجعلها تساهم في حل أكثر من 60% من القضايا التي تزدحم بها المحاكم الشرعية ومراكز الشرطة والحقوق المدنية». بعيدا عن المؤهلات ويشير العمدة فارس سعد السبيعي إلى أن الوضع الوظيفي الذي يعيشه هو وزملاؤه مؤسف، حيث إنهم يحملون المؤهلات الجامعية، ويعملون على نظام لا يتناسب مع مؤهلاتهم، بل إن ما يزيد الوضع مرارة هو تعيين أشخاص من كبار السن الذين لا يجيدون القراءة والكتابة على نفس الوظائف «مما يجعلنا نقول هل قلب الأمن العام الموازين فجعل الذين يعلمون كالذين لا يعلمون، كما نعاني من الوضع المادي المتدني الذي لا يمكننا من سداد مستحقات مكاتبنا الخارجية، التي نكلف بفتحها من قبل الأمن العام دون مقابل يذكر، كما أن التصور الذي أخذه العامة عن العمدة أنه يمتلك مالا وجاها زاد من الأعباء، بسبب كثرة طالبي المساعدات المالية في ظل أننا أحق بالمساعدات، كما يجب أن توفر حراسة للعمدة، ويكون معه مساعدون بوظائف ثابتة وبرواتب مجزية، حتى يتمكن من أداء عمله بالصورة المطلوبة التي تجعله قادرا على ضبط الحي، ومعرفة كل صغيرة وكبيرة فيه». ويرى السبيعي أنه يجب إعادة نظام العسس الليلي «لأن وجود العسس في الأحياء سيحد من الكثير من المشاكل التي تعاني منها تلك الأحياء، ويجب أن يختار العسس من الأشخاص العقلاء ومن سكان الأحياء أنفسهم، وأن يكونوا من القادرين والمؤهلين للقيام بهذه الوظيفة صحيا وجسمانيا، خصوصا من ذوي الدخل المحدود الذين تم تقاعدهم ويتقاضون رواتب قليلة، ولديهم أسر كبيرة مما يحقق الفائدة العامة بسد عوز المحتاجين ويقضي على خفافيش الظلام ويفضحهم، على أن يكون لهم نظام وظيفي ورواتب مجزية ومغرية للالتحاق بمهنة الحراسة الليلية، وهذا الأمر لو اعتمد وتم تفعيله، سيكون له الكثير من الآثار الإيجابية على السكان والأحياء». تطبيق اللائحة ويعيب العمدة عبدالعزيز النفيعي، ما اعتبره عدم تطبيق أو تفعيل اللائحة التنفيذية الصادرة من مجلس الوزراء الخاصة بالعمد «فالسلم الموجود غير منفذ، رغم أن العمد لهم دور كبير في أحيائهم، وهم حلقة الوصل بين المواطنين في أحيائهم وبين جميع القطاعات والإدارات الحكومية، والعمدة يشغل وظيفة مدنية، وربطه مباشرة بالشرط يتطلب أن يكون للعمد رتبة عسكرية يستطيعون التعامل بها مع مرجعهم في الشرط، أو ربطهم مباشرة بإمارات مناطقهم، أو المحافظ مباشرة في المدن التي يعملون فيها حتى يكون لهم استقلالية ويعطيهم الثقة، وتكون هناك محاسبة للمقصر في أداء عمله، وأن يكون للعمد صلاحيات واضحة لا تخضع للمزاج واجتهادات كل مجتهد، أو اجتهادات القائمين على الجهة التي يتبع لها العمد حاليا، لأن ذلك سيجعل العمد بلا شخصية، ودورهم مشلول بل تشوبه الكثير من الأخطاء التي يتحمل نتائجها العمدة، وإذا كانت الجهات المعنية لا ترى أهمية للعمدة فلماذا الإبقاء عليه، فالأفضل في هذه الحالة أن يلغى حتى لا تكون مكاتب العمد مجرد دور نواد للقصص والحكايات». الاستفادة من الضمان ويفضل العمدة حمد الشيباني لو تم السماح ولو بشكل مؤقت للعمد المسجلين على نظام المستخدمين، بالتسجيل ضمن قائمة المستفيدين من الضمان الاجتماعي، حتى يمكنهم ذلك من سد بعض العجز الذين يعانونه بسبب قلة دخل العمل الرسمي كعمدة «هناك العديد من حالات التخاصم والطلاق التي تحل في مجتمع العمد، بسبب تدني الدخل الذي لا يمكن معه توفير أبسط الحقوق الأسرية، واستغرب اختلاف الوضع على هذه الوظيفة بين مدن المملكة، فهناك من هم على مراتب وظيفية جيدة، فهل يحتمل الأمر الانقسام الوظيفي بهذه الطريقة» .