في ظل العيش بفكرة النمط الواحد والقيمة الواحدة والدين الواحد، وجد الفرد نفسه واقعا في شباك محكمة من التقسيمات العصبية والفكرية أجبرته الحياة على مغبة الوقوع فيها إذا ما أراد الحفاظ على لقمة العيش. وهذه العصبيات أصبحت تفرض بشكل تلقائي ضرورة الرضوخ والتبعية لها محرمة الخروج عنها بغض النظر عن الاختلاف في بعض المسائل الفرعية التي تحيل أتباعها بالضرورة، في ظل الاعتياد على هذا الأسلوب، إلى أن يصبحوا كائنات تعتاش على غيرها مقابل التخلي عن استقلاليتها الفردية وقيمتها الوجودية، وهذا ما جعل بعض الأفراد يعتقدون وفق هذا النمط من العيش بأنه هو الأسلوب الأمثل للحياة. وسط ذلك يشعر الإنسان الطبيعي أحيانا بصوت تلك الرغبة الملحة بداخله في ضرورة التفرد، لكنه سرعان ما يصطدم بالواقع مع انتشار هذا الأسلوب وقائمة الممنوعات الطويلة التي تحاصره ليجد نفسه يقوم بالبحث عن تفرد لا يوقعه في نفس الوقت في غضب الجماعات التي يتبعها، فلا يعثر عندها على ما يتميز به سوى مفردات تنمي شعوره التفردي عن طريق التميز بالانتماء للنسب أو العشيرة أو المذهب رغم أنها لا تصب في صالح هذا الفرد الحاضر، كونها تنتمي للماضي فيغرق داخلها متوغلا بالأنا العليا من جراء السعي اللاإرادي وراء إشباع هذا النقص لفرض معنى وجوده الذي تلاشى مع اتساع فكرة الجماعة الجبرية التي لا يجد مفرا من الانقياد لها. فبات الفرد معها لا يشعر من جراء ركضه نحو مصالحه الخاصة بالحاجة للوقوف كي يرى حاجة الآخر، ويقدم له المساعدة ما دام يقف خلف عصبية أخرى تختلف عنه، وهو بهذا النمط لا يشعر بتأنيب الضمير كونه لا يعرف فنا آخر للعيش يجمع بين أي نقيضين ويتعايش مع وجودهما كالثنائيات الأخرى الموت والحياة، الشر والخير. هذه التبعية الجبرية أذابت المعنى الحقيقي لاستقلالية الفرد بشكل إيجابي جاعلة منه مساهما حقيقيا في مشاريع التنمية لهذا الوطن، وهذا العالم الذي يتقاسم فكرة الجماعة التي يؤمن بها.