في السادس من مارس الجاري، قال القضاء كلمته فيما يعرف بمصطلح «قضية خدمة المجتمع»، التي وجد فيها مجموعة من الشباب أنفسهم ضحايا لإحدى محاولات رجال الأعمال الإعلان عن دخولهم في خدمة المجتمع، أو ما يعرف بالمسؤولية الاجتماعية، إلا أن الأمر تحول إلى «مسؤولية استثمارية». بالأمس وقف الشباب العاطلون عن العمل أمام بوابة العمل، طالبين العمل، أوهموهم أن العمل حاضر، والباب مشرع، والمسؤولية الاجتماعية تحتم المشاركة، والأمر يسير، مجرد «سندات لأمر»، وينتهي الأمر. وقع الشباب على بياض، فالثقة موجودة، والعمل مفقود، ولكن «تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن»، إذ هبت الرياح، والكل يسعى لاسترداد أقساط القرض «غير الحسن»، الذي جاء برغبة شبابية في الخروج من نافذة العطالة إلى بوابة العمل، عبر مشروع حر، يضمن لهم العمل الشريف، ويساعد غيرهم من أبناء الوطن على الوصول إلى القدوة الحسنة أولا والمشاركة الحسنة ثانيا. فاحت الرائحة، ووصل الأمر للقضاء لإنهاء رتوش لا يحسب أحد قدرته على حلها سوى القضاء فحسب، ولكن لماذا سقط هؤلاء الشباب في مثل هذا النموذج؟ وهل الرغبة في العمل الحر، وقوع في فخ أو بئر، أم أن ما يعرف بالمسؤولية الاجتماعية مجرد شعار، لمن أراد الخروج بوجاهة اجتماعية، ولا يهم ماذا يحدث بعد؟ صحيح أن هناك نموذجا أو اثنين يعدان صفحة ناصعة للمسؤولية الاجتماعية، ولكن لماذا باتت النماذج الأخرى، تحول المسؤولية إلى مجرد استثمارات؟ وإذا كانت وزارة العمل تعترف أنها لن تستطع توظيف مئات الألوف من الشباب القادر على العمل، والخدمة المدنية لا تستطع هي الأخرى توظيف كل الشباب والخريجين، خوفا من البطالة المقنعة، فأين يمكن أن يذهب هؤلاء الشباب، وكيف يتخلصون من البطالة، وما السبيل المثالي لتجنب الوقوع في فخ «المسؤولية الاستثمارية»، والوصول إلى القروض الحسنة؟ «شمس» فتحت ملف المشاريع الحرة التي نجحت الدولة في توفير عدة قطاعات هدفها توفير التمويل اللازم للشباب للانطلاقة نحو أفق العمل، مبتعدين عن أفق العطالة، والبحث عن إجابة عن السؤال الأهم هل يمكن أن تساهم تلك الصناديق والمشاريع التمويلية في توفير الكم اللازم من المشاريع الشبابية التي تستوعب عشرات الألوف، أم أن هناك ما يحول دون ذلك؟ ولماذا لم نسمع عن تلك الصناديق والمراكز «شبه الحكومية»، لتخرج إلى الضوء، وتعلن للشباب أنها النموذج الأمثل للقروض الحسنة، أم أن دورها لا يزال هامشيا لا يرقى إلى الدور المأمول، أم أن جهودها لا تزال بدائية؟ فإذا كانت غير ذلك وتمارس جهودا ملحوظة وأعمالا مقدرة، فهل هناك من يتعمد أن يقتل المشاريع «شبه الحكومية» الناجحة؟ ولصالح من؟ وهل من تعمد منسوب إلى جهات بعينها لتغييب الدور لسبب أو لآخر؟ لغة الأرقام تقول إحصاءات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، إن نسبة البطالة بين السعوديين ارتفعت إلى 10.5 %، بعدما ارتفع عدد السعوديين العاطلين عن العمل من الجنسين إلى نحو 448 ألف فرد، 44.2 % منهم من الحاصلين على الشهادة الجامعية «درجة البكالوريوس». وأظهرت نتائج بحث القوى العاملة الأخيرة الصادرة عن المصلحة، أن عدد العاطلين السعوديين عن العمل حتى أغسطس 2009، ارتفع إلى 448 ألف و 547 فردا مقارنة مع 416 ألف و 350 فردا في الدورة السابقة المنفذة في الشهر ذاته من عام 2008، وبلغ معدل البطالة للذكور 6.9 % مقارنة ب 6.8 % للفترة ذاتها من عام 2008، في حين ارتفع معدل البطالة للإناث من 29.9 % إلى 28.4 %. وبينت نتائج البحث أن أعلى نسبة للعاطلين السعوديين كانت من الفئة العمرية ما بين 20 و 24 عاما، وذلك بنسبة بلغت 43.2 %، ويمثل الذكور ما نسبته 46.7 %، أما فيما يخص الإناث فشملت الفئة العمرية من 25 إلى 29 عاما الفئة الأعلى من حيث عدد العاطلات، وذلك بنسبة 45.9 % من جملة العاطلات السعوديات. كما أوضحت النتائج أن أعلى نسبة للعاطلين السعوديين هم من الحاصلين على شهادة البكالوريوس، وذلك بنسبة 44.2 %، يليهم الحاصلون على شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها بنسبة 25.7 %، أما بالنسبة إلى الذكور فإن أعلى نسبة للعاطلين هم الحاصلون على شهادة الثانوية، وذلك بنسبة 39.9 %، يليهم الحاصلون على شهادة متوسطة بنسبة 17.3 %. أما فيما يخص الإناث، فإن الحاصلات على شهادة البكالوريوس يمثلن أعلى نسبة من بين العاطلات السعوديات، حيث بلغت النسبة 78.3 %، تليهن الحاصلات على شهادة دبلوم دون الجامعة بنسبة 12.3 %، في حين لم تظهر النتائج وجود أي بطالة بين الذكور والإناث الحاصلين على شهادة الدكتوراه. وإذا كانت لغة الأرقام تتحدث عن صعوبة بالغة في توفير الكثير من الوظائف، لتقليص نسبة البطالة في المجتمع، فهل الوظائف الحكومية أو في الشركات الخاصة يمكن لها أن تفي بالغرض؟ ربما لن نجد الإجابة إلا بفتح ملف آخر. لغة الخوف بدأ عدد من رجال الأعمال الدخول فيما يعرف بالمسؤولية الاجتماعية، ففرح المجتمع وفي مقدمتهم الشباب، ظنا منهم أنهم سيمتلكون زمام أمرهم، ولكن لم يتحقق الأمر، حسب تأكيدات أحد المتضررين، من بين 200 شاب وقعوا ضحية لأحد رجال الأعمال ممن فتح لهم باب الاستدانة بدلا من باب العمل «حسب وصفهم». ويعترف الشاب خالد البدراني: «يتخوف الكثير من الشباب، من مغبة الدخول في تجربة مماثلة كالتي وقعنا فيها، فبعدما حسبنا أن الأمر إيجابا، وقعنا في شر أعمالنا، بأيدينا لا بيد عمرو، فكيف يمكن أن يلجأ أي شاب آخر لمثل هذه المشاريع ليتخلصوا من البطالة، نحن لا نريد التخلص من البطالة لندخل السجن». ويتفق معه زميله المتضرر من ذات القضية المنظورة أمام القضاء محمد اليامي: «المسؤولية الاجتماعية في مجتمعنا، وتحديدا في جانب تمويل المشاريع من القطاع الخاص لا تزال غير راشدة -حسب وصفه- إذ كيف يمكن لها أن تتطور وهي تبحث عن ربح، فإذا نظرنا للعطالة نجد أن نسبة كبيرة من الشباب العاطلين 39.9 % من الحاصلين على الشهادة الثانوية، بما يعني أن الشركات لا يمكن لها أن تستوعبهم، وإلا كانت رواتبهم دون المستوى، لذا فلا أمل لهم إلا العمل الخاص، خاصة إذا أضفنا لهم نسبة البطالة للشباب الحاصلين على شهادة متوسطة 17.3 %، فكيف للقطاع الخاص أن يستوعب مثل هؤلاء، وقبل ذلك كيف يترك أمرنا دون تحديد المسؤولية لاستيعابنا، وترك المجال أمام رجال أعمال كل همهم الاستثمار والربحية، وخدعة المجتمع، بدلا من خدمة المجتمع، حسبما يقول». ويقترح الشاب حسين الخزمري المزيد من الرقابة والدعم على كل الجهات الداعمة للشباب، بما يؤهلها لدفع عجلة القروض للأمام. وعبر الشاب نايف الزهراني عن أمله أن تتسع القروض لتشمل جميع الشباب: «أقترح أن تخصص هذه المشاريع وهذه الصناديق فروعا منها في المدارس الثانوية». ولكن إذا كانت لغة رجال الأعمال باتت مجرد ورقة ربحية، فكيف يمكن أن نتخلص منها بورقة واقعية ل «خدمة المجتمع»؟ سؤال يقودنا إلى لغة أخرى. لغة الأمل على غرار الوظائف الحرة، تبنت الدولة العديد من البرامج التمويلية، التي غدت تحقق -حسب عدد من الشباب- ثمارها. قال الشباب عن صندوق المئوية، الذي أنشئ بموجب أمر ملكي في 20/5/1425ه الموافق 8/7/2004، إنه ربما نجح في توظيفهم في مشاريع مولها بالكامل دون ربحية. وقالوا عن الصندوق إنه سهل عليهم الإجراءات بصورة تفوق الوصف، فالبداية أوراق والنهاية مشروع لا يرتبط بأحد إلا بصاحب المشروع المتمثل في الشاب، والتأهيل من مسؤولية الصندوق، والتدريب من أبسط ما يقدمه، بالإضافة إلى ما يمكن وصفه بالخدمة ما بعد البيع، أو بالأحرى القرض، لتتم المتابعة للحفاظ على نجاح المشروع. ولكن إذا كانت الأمور بهذه الصورة، فما الذي يجعل الصندوق الذي تأسس منذ سبعة أعوام لا يقدم إلا 3444 قرضا، وهل من معوقات أمام القرض، أم إشكاليات أخرى؟ حسب المصادر القريبة من الصندوق، فإن الدعم المادي يقف حائلا دون الوصول إلى خريطة تبني الآلاف من المشاريع الشبابية «الصندوق يسير حسب ميزانية، بلا دعم، ونحاول الحفاظ على خدمة المجتمع بلا ربحية، يريد الصندوق تقديم الأفضل للشباب، ولكنه يجب أن يعرف الجميع أنه يسير وفق ميزانية ربما لا تتجدد، وهذه الحقيقة الغائبة، فكيف له رفع سقف المشاريع المقبولة دون أن تحدد له ميزانية وأن يصله الدعم الملائم، وإذا ما توفر ذلك لتحول الصندوق إلى خير سند للشباب في المشاريع الحرة، والدليل أنه حسبما يتوفر له من دعم استطاع توفير ما يصل إلى 3500 قرض؛ ما يعني أن هناك 500 قرض سنويا». ولكن كيف يتأتي الدعم للصندوق؟ يقترح المصدر: «الدعم يجب أن يكون حكوميا في البداية، ثم من رجال الأعمال، وما داموا غير قادرين على استيعاب الشباب، ويتحججون بعدم الاستقرار الوظيفي للكثير من الشباب الذين يعملون لديهم، فعليهم دعم مثل هذه الصناديق غير الربحية ليتحقق المراد والهدف للشباب في العمل الحر». وعلى ذات النحو بدأ برنامج الأمير محمد بن فهد بالمنطقة الشرقية، الذي رفع شعار استيعاب الشباب في العديد من المجالات فغدا أنموذجا واقعيا لتحقيق الهدف المراد. وحسب مدير البرنامج أحمد الحواس، فإن «الدعم يأتيه من استثماراته الحالية، حرصا على تفعيل عمله في خدمة الشباب، وتوظيفهم في شتى الوظائف المختلفة». ويعترف الحواس أنه «في حال وجود أي دعم مالي من الدولة فإنه حتما سيطور البرنامج إلى ما هو أكبر من هذا، وسيؤدي واجبه على الوجه الأكمل الذي نسعى من خلاله للحد من البطالة خلال الأعوام القادمة متى ما وجد الدعم الكبير». ويشير إلى أنه «لدينا العديد من التجارب في توظيف السعوديين ولله الحمد، وحققنا تجارب ونجاحات عالية وكبيرة في هذا المجال، وحسب إحصاءاتنا فإننا نوظف السعوديين الشباب من 300 إلى 500 شاب خلال الشهر الواحد وتكون هذه الوظائف دائمة ومصدر رزق لهم ثابتا مستقبلا». وتشير مديرة برنامج الأمير محمد بن فهد بفرعه النسائي بالجبيل نورة الكريديس، إلى أن البرنامج وظف ما يقارب 477 وظيفة نسائية خلال الأعوام الماضية: «استوعبنا من خلال البرنامج أعدادا كبيرة من الفتيات السعوديات، ويعتبر البرنامج من أهم البرامج التي تدعم الفتيات من خلال التوظيف، وكذلك التدريب والتطوير ونأمل أن يكون المستقبل القادم يتسع لعدد كبير من الفتيات الباحثات عن التوظيف مستقبلا، إلا أن الدعم لا يزال بعيدا عن واقع المشاريع الناجحة، التي تدع العمل يتحدث عن نفسه». ويبدو أن المسؤولين في البرنامج أرادوا التأكيد على أن رجال الأعمال ربما يبحثون عن برامج الوجاهة الاجتماعية، فغضوا الطرف عن مثل تلك البرامج والصناديق، فما الذي يجعل رجال الأعمال بعيدين عن دعم هذه المشاريع؟ سؤال يبدو أنه يحيلنا إلى لغة أخرى. لغة الخبراء يرى خبراء في قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة أن عدم تجاوب جهات التمويل والجهات الحكومية المسؤولة عن التراخيص للمشاريع في تقديم الدعم الحقيقي لأصحاب تلك المشاريع من شباب الأعمال أدى إلى عزوف عدد كبير منهم وأصبحوا يبحثون عن الوظائف في القطاعين لعدم نجاح تجربتهم في طريق التجارة والعمل الخاص. وتشير المشرفة على مشاريع صندوق المئوية في المنطقة الغربية وعضو في مجلس غرفة جدة الدكتورة عائشة نتو إلى أن الغرف السعودية وكل القطاعات الحكومية يجب أن تتعاون لتقديم دعم للشباب الذين يبحثون عن فرصة وذلك من خلال تقديم حزمة من الدعم، سواء من الجهات التمويلية المتمثلة في منح شباب وشابات الأعمال خصما كبيرا لدعمهم كما أن الأمانة تقدم التراخيص مجانا، وكذلك الدفاع المدني والجهات التي يرتبط بها المشروع في الحصول على الرخصة «ولكن الذي يحدث لدينا في المملكة أن الشاب أو الشابة الذين يقدمون على العمل الخاص للأسف يتم التعامل معهم كأنهم رجال أعمال لذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه، ماذا نعني بالدعم ونحن لا نقدم أي دعم مالي لهم؟». وأشار مدير قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في غرفة جدة زياد البسام إلى أن الغرفة تعمل من خلال إنشاء حاضنات الأعمال، ونسعى بكل الطرق لدعم هذه المنشآت والمبادرات والمبادرين الجدد من خلال مركز جدة لتنمية الأعمال، وذلك بتقديم خدمات لهم، منها التمويل المباشر من قبل الغرفة والتدريب والخدمات الإرشادية في النواحي الإدارية والفنية والمالية، وتوفير دراسات أولية لفرص استثمارية مناسبة، وتذليل العقبات وتبسيط الإجراءات والتوجيه والتعريف بالجهات التمويلية المتوفرة لتمويل المنشآت الصغيرة. وأشار إلى أن الجميع مطالب بدعم هؤلاء الشباب الذين سيكونون في المستقبل أصحاب أعمال ويساهمون في بناء الاقتصاد السعودي ويكونون هم من يوفر فرص عمل لجيل المستقبل .