هذا الجسد الذي يحملنا إلى ما نريد هو وعاء للروح التي تقوده، فهو دونها جثة هامدة. كالميت حين تفارقه روحه. وإني نظرت للناس فوجدتهم تهاولوا في العناية بأجسادهم حتى لا تصيبها الخدوش وأيسر المشقات ونسوا أرواحهم في مشقة عظيمة. للروح بُعد واسع، علينا أن نعييه دائما وأن نحقق لهذا البعد رغائبه وحاجاته حتى يكتمل نورها وبهاؤها ويبيت أحدنا سعيدا ويصحى سعيدا قد أروي تلك الروح بما هي أهله. وأول ما علينا أن نغذي به الروح هو استشعار حضور الله معنا في كل وقت، فإنه بذلك تعلو الروح وهي تخضع لربها الذي أوجدها وحين يقع أحدنا في ذنب يعالج هذا الخدش الروحي فيستغفر ربه ويعاود الاستشعار. ثم لينظر لحال الدنيا والناس بأسمى ما جاء من الصفات الروحانية كالمروءة والإحسان وحسن الظن وإقالة العثرة. ثم يقوي نسمات روحه بكلام مُوجدها فإنه بالقراءة كأنه يهدهدها بالإيمان وإذا تثبت الإيمان في أرواحنا بتنا روحانيين. أمناء نحن على أهلنا ومجتمعنا مما يقبحهم ويشوههم. ما أبغض أن أرى أحدهم قد بالغ في عنايته بمظهره أو تراه طاغي الجسد جثة هائلة تدب على الأرض وهو لا يفهم روحه ولا يدري أن به روحا أصلا عليه أن يغذيها كما يغذي جسده كل يوم. بل هو أبله الروح يمشي لأمره في بلاهة ويقعد بين الناس في بلاهة يتعرف إلى الناس بأشكالهم ومركباتهم وأحوالهم، لا تنفذ إلى بصيرته الروح التي بين جوانبهم التي هي هم حقا لا تلك الأجساد والوجوه. في الأثر «إن الله لا ينظر إلى صوركم وألوانكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم». وحين تصفى الروح تكون شريفة وتخلو من الآثام كالحقد والحسد والخديعة وتسمو إلى الجمال.. فتحب أحسن الكلام من القرآن والآثار والأشعار والآداب.. وتهفو روحه إلى الغناء والحداء.. ويشتغل فكره بالتأمل والتفكر والتبحر.. وحينها أيا كان الجسد نحيلا كالنملة أو ضخما كالفيل ومهما كان رسم الوجه جميلا كالوردة أو قبيحا دون مثيل فإن جمال وقوة وسمو الروح حينها تجعله جميلا قويا ساميا، يعرف من الحياة أصلها وتبلغه الحكمة عند الحوادث وكل همه أن ترقى روحه إلى ربه في ميقاتها وهي كاملة فيقال لها «يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية». مدونة: وردة النسيم http: //rosebreeze.blogspot.com