شكلت مهرجانات مدينة بريدة التي تقام كل عام رافدا مهما للأسر المنتجة وبابا من أبواب التسويق المنظم لإنتاجهن ودخول فضاءات اقتصادية رحبة، كما باتت هذه المهرجانات حلقات وصل بين الأسرة والزبائن، بالإضافة إلى السباق المحموم للشركات الراعية لدعم مثل هذه المهرجانات للإقبال المتزايد عليها. وعبر أمير منطقة القصيم الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز عن هذه الفوائد، حينما صرح خلال افتتاح إحدى هذه المهرجانات بأن مهرجانات بريدة صارت محل رغبة وتنافس وسباق من الشركات الراعية، ويؤكد ذلك إحصاءات الهيئة العامة للسياحة، مثمنا لجميع الشركات الداعمة دورها في خدمة الوطن والمواطن. ومعلوم أن مدينة بريدة تحظى بالعديد من المهرجانات مثل مهرجان صيف بريدة ومهرجان الربيع ومهرجان الكليجا والمنتجات الشعبية؛ ما جعلها بؤرة لجذب الحرفيين والحرفيات لعرض منتجاتهم ما يكفيهم عناء مد اليد ومساعدات الضمان الاجتماعي. أم أنس.. الطهي «صنعة» تقول البائعة أم أنس البالغة من العمر 25 عاما «إن المهرجانات أصبحت مدارس تدريبية نتعلم فيها جميع الحرف» مشيرة إلى أنها تعلمت مهنة الطهي منذ صغرها عندما كانت تساعد والدتها البارعة في صناعة الكليجا والمعمول والفتيت والسمسم. وتضيف البائعة الحاصلة على شهادة البكالوريوس «نتعلم كثيرا داخل أروقة المهرجان بالتواصل مع الأخريات صاحبات المهن الأخرى ونتبادل التجارب» وتستطرد أم أنس قائلة «بيتنا يتحول إلى خلية نحل خلال فترات المهرجانات فكلنا نعمل في محاولة جادة لكسب قدر من الدخل المادي وتحسين مستوى الأسرة الاقتصادي». وطالبت أم أنس بالدعم من خلال القروض الميسرة وتسهيل الحصول على ذلك. وفي ركن قصي من صالة المأكولات الشعبية في موقع مهرجان الكليجا ببريدة، وقفت البائعة الشابة أم فهد «19 عاما» أمام محلها المكتظ بالزبائن من كلا الجنسين طلبا للفطائر التي تبيعها. وتشير أم فهد إلى أنها حاصلة على الثانوية العامة ولم تجد قبولا في الجامعة. وتقول «بعد تخرجي من الثانوية لم أجد فرصتي في مقاعد الجامعة ففضلت مساعدة أسرتي لزيادة دخلها المادي» مضيفة أنها شاركت في مهرجان الكليجا هذا العام للمرة الأولى وفوجئت بالإقبال الكبير على محلها الصغير. وتتمنى أم فهد دعما ماديا فقط لكي تستغني عن الناس وتنفق على أسرتها ونفسها. وترى أم رنيم، وهي خريجة كلية التربية في بريدة، أن بعض اللجان المنظمة في بعض المهرجانات تطالبها بأجور لا تقدر عليها؛ لأن محلها صغير ولا يكاد يغطي مصاريفها، مطالبة بأن يفتح المجال لأي بائعة تريد البيع ولا يربط ذلك بالتسجيل بجمعية حرفة. وتقول زميلتها أميرة أحمد إنها خريجة اقتصاد منزلي وحاصلة على دورة في الحاسب الآلي ولم تجد سوى المهرجانات لإبراز مواهبها في صناعة المواد التجميلية اليدوية التي تستخدمها النساء، مضيفة أنها تحصل على دخل مادي لا بأس به. دخل مضاف وفي أحد المحال في مهرجان الأسر المنتجة وقفت «ن. ب» التي يبلغ عمرها 25 عاما وحاصلة على بكالوريوس الدراسات الإسلامية ودورات في الكمبيوتر بجوار والدتها، وعندما سألتها «شمس» عن داعي تواجدها ذكرت أنها تعمل مع والدتها منذ تخرجها قبل عامين، حيث وجدت في ذلك فرصة لزيادة دخلها المادي. وقالت «المهرجانات أصبحت مصدر دخل لأسرتنا، ولكن ذلك مجهد بدنيا، حيث نتنقل باستمرار» وتتمنى أن تجد من يشتري منتجاتها بين الأثرياء أو يتبنى موهبتها في صناعة الحلويات، وأن يخفف بنك التسليف من حدة شروطه التعجيزية. ومن بين مجموعة من الأواني الضخمة، قالت أم بدر التي يبلغ عمرها 30 عاما وتحمل شهادة تعليم متوسط أنها تبيع الأكلات الشعبية التي صنعتها بنفسها. وتضيف «أجد صعوبة في نقل أغراضي كل يوم من وإلى المنزل وأتمنى أن يتم تأمين وسيلة نقل، فأنا أعيش مع أبنائي الصغار في المنزل وأعولهم بمفردي». وحول أثر المهرجانات على أسرتها أجابت «المهرجانات فرصة جميلة لتعريفي بالناس. كما أنني حصلت مقابل ذلك على مردود مادي ممتاز، ولكن للأسف بعد المهرجان أعود أدراجي إلى مكاتب الضمان الاجتماعي ومساعدات أهل الخير». وتواجه العديد من البائعات عروضا من شركات الأغذية الكبرى بطلب إمدادهم بمنتجاتهن، لكن ذلك يجد رفضا من بعض البائعات لعدم رغبتهن باحتكار منتجاتهن، فيما ترى أخريات أن هذا الأمر أكثر أمانا من المغامرة بالإنتاج وانتظار مشتر قد لا يأتي. ويجيب المستثمر أحمد القرعاوي أحد رجال الأعمال في محافظة عنيزة عن سؤال ل «شمس» عن دور رجال الأعمال في دعم الأسر المنتجة قائلا «لعل حضوري مهرجان كليجا يكفي للإجابة، حيث أجمع عددا من أرقام البائعات للتفاوض معهن لإمداد متجري الخاص بمنتجاتهن التي تجد رواجا منقطع النظير، وذلك بمقابل مادي مرض للطرفين». استغلال الطاقات ويشير رئيس لجنة مهرجانات بريدة أمين منطقة القصيم المهندس أحمد بن صالح السلطان إلى أن استراتيجية مهرجانات بريدة تقوم على استغلال الطاقات البشرية والإمكانيات الاقتصادية والسياحية بشكل احترافي بالتزامن مع واقع التوجهات العامة للحكومة، موضحا أن توجيهات أمير منطقة القصيم ونائبه ورعايتهما واهتمامهما تمثل إحدى الركائز الأساسية التي تقف خلف نجاحات مهرجانات المنطقة. وأضاف «هذا يجعلنا نمضي قدما نحو تكريس العمل من أجل بناء أشمل وأوسع لكل الفعاليات التي تشهدها بريدة داعيا كل المواطنين للحضور والمساهمة في المهرجانات للمتعة ولدعم الصناعة الاقتصادية للمنتجات الشعبية للأسر المنتجة». ويوضح رئيس اللجنة التنفيذية لمهرجان الكليجا إبراهيم العييري أن المهرجانات توفر تمازجا أسريا وثقافيا وتشكل أهمية كبرى للوضع الأمني. ويضيف «إحدى الإحصاءات أشارت إلى أنه في حال وجود منشط أو مهرجان فإن نسب الجرائم تقل كثيرا. كما أن المهرجانات تمثل للأسر المنتجة نافذة تسويقية وتعريفية وحلقة وصل بين الأسرة والزبائن». وحول الخطوة القادمة التي يسعى المهرجان لتقديمها للأسر المنتجة، ذكر العييري أن هناك جهودا مبذولة الآن لحصر الأسر وأرقام هواتفهم ومنتجاتهم ووضعها في دليل إرشادي ليسهل الوصول إليهم، وبذلك نكون قد وضعنا الأسرة المنتجة في حالة إنتاج دائم دون أن يقتصر ذلك على المهرجانات فقط. ويقول نائب أمين الغرفة التجارية بالقصيم الرئيس التنفيذي لمهرجان صيف بريدة عبدالرحمن عبدالله الخضير «تسعى المهرجانات لتحقيق أفضل صورة من صور ومعاني التكافل الاجتماعي وتجسيد مبدأ النفع العام خصوصا للأسر المنتجة التي تبدع في تقديم مهاراتها ومنتجاتها من الصناعات الحرفية اليدوية بجودة عالية تستحق عليها التشجيع والرعاية الكاملة والدعم اللازم». ويضيف «انتهت العقبات وتم تجاوز العراقيل التي كانت ماثلة أمامها بإنشاء الجمعية التعاونية النسائية متعددة الأغراض (حرفة) التي أصبحت المظلة الاجتماعية والاقتصادية والقانونية لرعاية الأسر المنتجة، التي تحظى باهتمام ودعم كبير وملموس من رئيستها الأميرة نورة بنت محمد بن سعود» مشيرا إلى أنه يوجد تنسيق مشترك وجهود متضافرة مع «حرفة» لتخصيص مساحات وأجنحة كافية في مواقع إقامة المهرجانات خاصة معروضات الأسر المنتجة التي كانت في السابق تشكو من الانقطاع وعدم التواصل معها بعد انتهاء المهرجانات. ويتابع «الآن الوضع تغير وأصبح التواصل معها دائما وهناك مجموعة من الأفكار المدروسة المخطط لها لفتح أجنحة خاصة بالأسر المنتجة في المراكز التجارية الكبيرة، وقد أخذت هذه الأفكار طريقها إلى التنفيذ في مركز (العثيم مول) كونها خطوة أولى ينتظر أن تجذب الجمهور»