كما يباغت المطر في شهر أيلول الأرض والإنسان، باغتنا المخرج المبدع «عبداللطيف عبدالحميد» بفيلم «مطر أيلول» ليشكل زخات بصرية تطرق القلب، وتشكل سيمفونية عن الحب الأزلي والألم المقيم داخل العاصمة السورية «دمشق» وليرصد التغيرات التي أصابتها في الشكل والجوهر. يبدأ الفيلم أحداثه بمشهد بالأبيض والأسود لأمير البزق «محمد عبدالكريم» وهو يتوجه إلى مبنى دار الإذاعة السورية في أربعينيات القرن الماضي، ثم وبقفزة زمنية يأخذنا الفيلم إلى وقتنا الراهن ليعرض قصة عائلة من الطبقة الوسطى مكونة من أب أرمل وستة أولاد شباب، جميعهم عاشقون!. ف«مازن» يقطع شوارع دمشق يوميا راكضا من أجل أن يلقي نظرة على الفتاة التي يحبها، والآخر «وليد» يغرق سيارة حبيبته كل صباح بالصابون وهو يغسلها بانتظار أن تخرج، والأب «كريم» متيم، وأجمل الأوقات هي التي يلتقي فيها من يحب في أحضان الطبيعة، ضمن سيارته القديمة وتحت زخات المطر الذي سنكتشف لاحقا أنه ليس مطرا طبيعيا لكنه بفعل صهريج ماء ليرضي حبيبته، أما الأبناء الأربعة فهم موسيقيون في فرقة واحدة، وهم خاطبون لأربع فتيات شقيقات يواعدنهن بشكل موحد، ويأتون بالهدايا نفسها. ولكن أحداث الفيلم تنعطف في اتجاه مفاجئ، ولا يخوض الفيلم هنا في أسباب انفراط عقد الحب، لكنه يكتفي بإشارات رمزية. استطاع المؤلف والمخرج السينمائي الكبير «عبداللطيف عبدالحميد» أن يصنع لنفسه مدرسة سينمائية خاصة به يزاوج فيها بين الرومانسية والانطباعية مقاربا أجواء «الواقعية السحرية»، ففي معظم أعماله «نسيم الروح، ما يطلبه المستمعون، قمران وزيتونة» يحرص على تجنب الخوض في الواقع بكاميرا تسجيلية لصالح سينما تشكيلية بصرية شاعرية قوامها المفارقات الكوميدية والتراجيدية العفوية المرة. لكن أهم العناصر بعد الصورة كانت الموسيقى التي ترافق الأحداث، والتوظيف الدرامي لبعض الأغاني المستخدمة في الفيلم ل«أسمهان، أم كلثوم» وبالأخص أغنية «رقة حسنك وجمالك» التي لحنها محمد عبدالكريم نفسه، ليقدم في النهاية تحية لدمشقالمدينة العريقة والحضور الإنساني فيها.