عندما اصطاد المرض شاعرنا الثبيتي قبل عام تقريبا، سألني أحد الزملاء الصحفيين أن أشارك ببعض كلمات من أجله في تحقيق صحفي عنه. تجاوزت الحالة بسرعة؛ لأني تدربت عليها ككل من يعمل في الصحافة ويواجه مواقف الحزن المباغت بالكلمات وحدها، وكتبت له مساهمتي في رسالة هاتفية. بقيت الرسالة منذ ذلك الحين في هاتفي، وكلما صادفتها أتلكأ في حذفها من صندوق المراسلات. أقرؤها مرة أخرى، وأستحضر روح الدعاء باتجاه السماء. وينتهي الأمر. يومها كتبت في تلك الرسالة «أصلي من أجل شفاء الثبيتي، هو المرتهن للحب والكلمات والإنسان.. أجوس بين تضاريسه لأكتشف نزاهة جغرافيا الشعر الأبدية.. أعبر تلك التضاريس الذاهلة شعرا باتجاه القلب كي يضاعف المعنى إثارته، أتتبع خطى الأخبار الخارجة من الغرف البيضاء.. أستحضر قصص المستحيلات الجميلة كي أرتوي بفيوض الأمل.. أرفق كفي إلى السماء الجميلة دائما لأقول: اشفه يا رب.. يا رحمن.. اشفه». انتهت رسالتي التي لا تزال ساكنة في قلب هاتفي، وجاءتني رسالة أخرى قبل قليل تقول لي إنه رحل. رحل فعلا هذه المرة. رحل سيد البيد تاركا وراءه وجعا بحجم وطن، وقصيدة باتساع سماء.. رحل بعد أن أشعل الأسئلة، واكتوى بنيران الإجابات دون أن يتنازل عن حرف واحد مما كتب. رحل بعد أن ساهم في إيقاظ القصيدة من سباتها المراوح ما بين القديم والجديد في مفصل تاريخي سعودي مناوئ.. لكنه كان من الشعر والموهبة والصلابة ما جعله يحدو حداءه الأخير كمن يكتشف النار بذات الدهشة.. والمكنة.. والإبداع.