ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي تقدم فيها هوليود رياضة الملاكمة وأبطالها، وتترشح هذه الأفلام لأعلى الجوائز، ومن أشهر تلك الأفلام «علي» و«روكي» و«فتاة بمليون دولار» التي نالت جائزة أوسكار أفضل فيلم. لكن فيلم «المقاتل» يقدم معادلا لقصة مختلفة يلتزم بمجرياتها الحقيقية ليقدم مقولاته عن الحياة والعائلة والعلاقات الأسرية والحب.. عن سبل المجد ووسائله والمثابرة لبلوغه، والعقبات التي تعترض الطريق، ومفترقات الحياة وصعوبة الخيارات في واقع شرس يدفع للانهيار. ضريبة الحلم يستند الفيلم إلى قصة حقيقية وأحداث واقعية موثقة ليسرد حياة الملاكم «ميكي وورد» الملقب ب «الأيرلندي»، قبل فوزه بلقب البطولة للوزن المتوسط، وهو شاب فقير الحال من «ماساتشوستس» يريد احتراف الملاكمة، ويتخذ من أخيه الأكبر الملاكم «ديكي وارد» مثله الأعلى، ويرتبط به إلى درجة أن يعجز عن اللعب ما لم يكن أخوه بجوار الحلبة، و«ديكي» هو شخصية عابثة غير مسؤولة، يصور في بداية الفيلم فيلما وثائقيا عن حياته كمحترف للملاكمة، وعن تجهزه للعبة من جديد، ولكنه لا يتوقف عن اللهو والعبث، لكن حين يقرر ميكي الاحتراف يحضر ديكي أموالا من أجل أخيه بطرق غير شرعية ثم يلقى القبض عليه ويودع السجن، وهناك بالمقابل أمه «أليس» التي تعمل مديرة أعمال تنظم لهما الأمور وترتب للمباريات، والمثير في شخصيتها هو قدرتها على التعامل مع تسعة أبناء، وكيف ترك هذا تأثيرا على ملامحها وطريقة تعاملها مع ابنيها وسط كم المعجبات. ثقة ميكي بأخيه تقوده لخسارة مباراة مع ملاكم يفوقه بالوزن، وعلى الرغم من هذا لم تتغير معاملته معه، وهنا تكمن عقدة الأحداث الدرامية في لحظات التحول في مجرى الشخصية، وظهور «شارلين» في حياته وهي الفتاة التي أعجب بها في الحانة التي يرتادها، وهي من أكثر الشخصيات تأثيرا في البطل، ويظهر ذلك في تنمية مقدرته على اتخاذ قرارات فردية دون الرجوع لأمه وأخيه. وسيشكل عرض الفيلم الوثائقي الذي صوره ديكي عن حياته المفصل الثاني في الأحداث، حيث يستغل مخرجه دخول ديكي السجن ليحول الأمر من فيلم عن العودة المنتظرة إلى فيلم عن السقوط المدوي، وهو ما يسبب تغيرا في شخصية ديكي لشخص آخر ومدرب كفء يعطي أخاه النصيحة التي تنقذه في أهم مبارياته، وفي النهاية يخرج من السجن، ليجتمع الشمل من جديد وقد غدا ميكي بطلا. الحمل الطويل.. والمولود مبهر بسبب الصداقة الشخصية التي تربط بين الملاكم «ميكي وورد» والممثل «مارك ويلبرج» كونهما من حي واحد، يقرر مارك إنتاج هذا الفيلم الذي بدأ العمل فيه منذ بداية عام 2000 واستغرق وقتا طويلا نتيجة التحضير المتقن له، من إعادة كتابة السيناريو عدة مرات، إلى عمل مخرجين آخرين مثل «أرين أرنوفسكي» الذي سجل اسمه في تترات العمل كمنتج منفذ لكنه تركه لأجل فيلم «البجعة السوداء». يشكل هذا التعاون اللقاءَ الثالث بعد فيلمي «الملوك الثلاثة» و«أنا أحب هاكابيز» بين «مارك ويلبرج» والمخرج المبدع «دافيد أو راسل» الذي قدم رؤية لبواطن حياة الإنسان وقراراته، وصنع من القصة أسطورة بصرية تسجل، عبر التركيز المدهش على زوايا اللقطات واختيار الكادرات وحركة الكاميرا المدروسة، إضافة للموسيقى التصويرية المختارة بعناية، وخصوصا في مشاهد المباريات على الحلبة، حيث صنف الفيلم كأفضل فيلم رياضي لهذا العام. ومن أجل إضفاء طابع الواقعية على الفيلم رفض «ويلبرج» الاستعانة بدوبلير وتلقى لكمات حقيقية خلال مشاهد الملاكمة، كما واظب ويلبرج بصرامة على ممارسة كمال الأجسام حيث كرس ما يقرب من أربعة أعوام لكي يحصل على الهيئة الجسمانية الملائمة لكي يؤدي شخصية «ميكي» بشكل مقنع. وفي المقابل، أبدع الفنان «كريستيان بيل»، الذي أنقص وزنه كثيرا ليتمكن من أداء الدور، في عكس التفاصيل النفسية لصراعات شخصية ديكي باقتدار فريد جعله ذلك يستحق موقعه في الترشيحات لأوسكار أفضل ممثل مساعد لهذا العام، هو والفنانة القديرة «ميليسا ليو»، وأخيرا «أيمي آدمز» التي في طريقها للترشيح الثالث للأوسكار بعد الحصول عليه في فيلم «Junebug» وفيلم «The Doubt». فيلم «المقاتل» يتأهب لمباراته الأخيرة هذه المرة على حلبة الأوسكار والتقديرات ترشحه ليحصد أوسكار هذا العام .