هذه هي المرة الأولى التي نسمع فيها صرخة مدوية دفاعا عن البيئة. إذ كشفت صحيفة عكاظ عن برقية وجهها الحاكم الإداري لمنطقة المدينةالمنورة الأمير عبدالعزيز بن ماجد لوزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي النعيمي. طالب الأمير في البرقية وزارة البترول ب «إلزام شركة معادن بتنفيذ الاشتراطات البيئية التي تضمن حماية سكان محافظة مهد الذهب من تأثير أعمال الشركة على الصحة العامة». البرقية طالبت أيضا بضرورة تعجيل اتخاذ التدابير اللازمة من قبل الوزارة لمنع الضرر الواقع على سكان المهد بعد أن «أثبتت البحوث العلمية والدراسات الميدانية تلوث التربة بالعناصر الضارة بصحة الإنسان». حسنا فعل الأمير، غير أنني ألفت إلى أن «تلوث التربة بالعناصر الضارة بصحة الإنسان»، لم يحرك ساكنا في الجهة التي يفترض بها أن تكون المدافع الأول عن البيئة وصحة الإنسان، أعني «الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة». هل سمعتم من قبل أن هذه الرئاسة أبرقت لأحد، أي أحد، تطالبه بالتوقف الفوري عن أعماله المضرة بالبيئة والمؤثرة في صحة الانسان؟ كم دعوى رفعتها الرئاسة، حتى الآن، لدى الجهات المختصة بشأن أي مشكلة بيئية؟ رغم أن أهم واجباتها العديدة «الدفاع عن البيئة وحمايتها من الاعتداء عليها بمختلف الطرق والوسائل القانونية». أمران لا ثالث لهما، إما أن كل المصانع، كلها بلا استثناء، تتوخى في عملها «ما يرضي الله وأنصار البيئة»، أو أنها تفعل ما تشاء بهذه البيئة المسكينة طالما أن الجهة الحامية تغض الطرف وتغط في سبات عميق. ورغم أن الحديث عن البيئة والحفاظ عليها وحمايتها يبدو في ظاهره نوعا من الترف، إلا أنه، على العكس، موضوع جدير بالاهتمام والبحث والتنقيب والتساؤل والمحاسبة. إن البيئة هي الهواء الذي نستنشق والماء الذي نشرب. باختصار: إنها إكسير الحياة ونظامها الذي يقود اختلاله إلى فقدان التوازن وتفشي المرض، دع عنك أن إهمالها إهدار ظالم ودين مؤجل ستسدد أجيال مقبلة ثمنه باهظا ومضاعفا، وبلا جريرة. هناك ألف مهد تشكو. ألف تربة تلوثت. آلاف من البشر تأثروا، في انتظار برقية تحميهم من مد المخلفات الصناعية، وأكاسيد الكبريت والنيتروجين، والرصاص، والضباب الدخاني.. وأشياء أخرى قاتلة لا أعرفها. «أنا الأرض. عبر عن حبك للأرض. حافظ على نظافتها»، حملة بيئية مشكورة، أطلقتها الجهات المعنية قبل عدة أشهر، غير أن المشكلة الأعظم -لا بد أن نعترف- ليست فقط إلقاء المخلفات الورقية في الشوارع. الذين يعبثون بالبيئة وصحة الإنسان، ليسوا مجموعة متنزهين يغادرون حديقة ما مخلفين بعض الأكياس البلاستيكية. إنها المصانع الهائلة التي تنفث سمومها في الأرض، في السماء، في صدورنا، وتخترق حتى الأجنة في بطون أمهاتها. لماذا لا يعبرون هم أيضا عن حبهم للأرض. ربما كان حبهم للمال.. أكبر.