قد لا تكون قصة فيلم «مسلم» جديدة على السينما الأمريكية حتى باستحضار ملامحها السردية «البشرة السوداء والإسلام»؛ لأنها قدمتْ سابقا الفيلم الأسطورة «مالكوم x» التي أبدع في تجسيدها العملاق الزنجي «دانزيل واشنطن»، لكن الجديد في فيلم «مسلم» أنه يحاول – بصورة نقدية - تحليل طبيعة العلاقة بين المجتمع الأمريكي ومفاهيمه، والدين الإسلامي الذي صار اضطهاد أتباعه والعنصرية تجاههم وتجاه مفردات دينهم هي سمة العصر الأمريكي الجديد بعد أحداث ال11 من سبتمبر، وذلك من خلال تشكيل استقراء بصري لمشكلة الهوية والتمييز وحوادث الاضطهاد التي يعانيها المسلمون الزنوج خصوصا في أمريكا، وبالعديد من الدلالات على تفشي روح التعصب والتطرف الديني وتغييب منطق الحوار الحضاري في أتون شبح «الإرهاب الإسلامي»، الذي يروج له المحافظون الجدد والمسيحيون المتصهينون. يأخذنا الفيلم للإبحار بقصته بداية من العنوان الذي تشكل طريقة كتابته باللفظ الإنجليزي للكلمة mooz-lum»» مفتاح دلالة عن حالة ضياع الهوية وسط منطق الحلم الأمريكي وغلوائه، ثم بالاعتماد على ولاية «ميتشيجان» الأمريكية التي يعيش فيها عدد كبير من المسلمين كوحدة مكانية للأحداث، ثم ينطلق الفيلم في تشريح سسيولوجي للمجتمع الأمريكي اعتمادا على قصة «طارق» المراهق الأمريكي الزنجي المسلم الذي تنفتح القصة - من خلال ذاكرته - على طبيعة أزمة الهوية نتيجة للتربية الإسلامية التي تلقاها من ناحية، والمجتمع الذي يعيش فيه من ناحية أخرى. وبمشاهد «الفلاش باك» سنرى طبيعة تربيته الإسلامية المتمثلة في أبيه «حسن» الذي يذهب به إلى مدرسة إسلامية أمريكية يتعرض فيها الطفل للضرب بحجة تربيته، ويتسبب هذا الموقف في انفصال أبويه، لتذهب الأم مصطحبة أخت طارق. وينعكس هذا برد فعل عكسي من جانب طارق حين يبدأ بالانخراط في مجتمع الجامعة المفتوح، سواء على مستوى الحفلات أو شرب البيرة، بينما نجد أخته التي تربت مع الأم كبرت لتصبح فتاة سوية لا تعاني من أي أزمات تخص الهوية. وفي الجامعة، يتعرف طارق على البروفيسور «جمال» الذي يمثل التيار الإسلامي السمح، فنراه في المحاضرة الأولى يحضر الكتب الثلاثة المقدسة ويقول إنه يؤمن بها جميعا، لكن يجب أن نتعلم كيف نؤمن دون تعصب أو كراهية للآخر. وبالمقابل هناك مدير الجامعة الذي يعبر عن العقلية السلبية لمؤسسات المجتمع الأمريكي في التعامل مع قضايا التفرقة العنصرية، حيث نراه يوبخ البروفيسور «جمال» كلما شعر أنه يميل للحديث عن الأديان والعلاقة بالآخر. تظهر في حياة طارق الجامعية فتاتان: إحداهما صديقته الأمريكية السمراء، والثانية هي «إيمان» المسلمة أخت زميله في الغرفة «حمزة»، التي يقع في حبها لكنه يقاوم هذه المشاعر لكونها تذكره بالطفولة التي عاشها في كنف أب متشدد ومدرسة متزمتة، ويتشتت طارق طوال الوقت بين الفتاتين في حالة درامية تعكس أزمته. بعد أحداث 11 سبتمبر، يصور الفيلم حالة الجنون العنصري التي ضربت المجتمع الأمريكي، حيث يجتمع الطلبة الأمريكان محاولين النيل من أي شخص شرقي الملامح، وتتعرض «إيمان وأخت طارق» للتحرش من قبل بعض الطلبة العنصريين، ويتصدى لهم طارق، وهنا يكتشف الطلبة أنه مسلم، حيث كان يخفي هذه الحقيقة، فيقوم أحد المتعصبين بضرب طارق، ولكن يمنعه طالب آخر قائلا «كل فريق لديه تعصب وعنصرية». وعندما يذهب والده إلى زيارته يجتمع شمل الأسرة للمرة الأولى منذ أعوام طويلة، ويبدو على الأب الندم لأنه تشدد في تربية ابنه. جرأة الفكرة ونمطية العرض والحوار الفيلم الذي يصنف في خانة «سينما المؤلف» هو الأول لمخرجه «قاسم بصير»، الذي صرح بأنه استقى السيناريو من تجربته الشخصية بوصفه مسلما أمريكيا، وعلى الرغم من أهمية الرؤية الإخراجية الجميلة التي قدمها المخرج، ودعمها أداء الممثلين الرائع وخصوصا «إيفان روس» في دور طارق، والعملاق المبدع «داني جلوفر» بدور مدير الجامعة، إلا أن السيناريو وقع في الكثير من المواقف السطحية، وجاءت بعض الحوارات إنشائية خطابية لا ترقى لمواكبة مدلولات الصورة التي وقعت بدورها في مطب التنميط والتقليدية الهوليوودية حين استعراض جانب المتشددين الإسلاميين، حيث اللحى الطويلة والملامح «الجلفة» القاسية. عرض الفيلم للمرة الأولى في قاعات مكتظة بالمشاهدين في مهرجان «إيربان وورلد» السينمائي في نيويورك، وسيعرض في عدد من المهرجانات كمهرجان «تورنتو» السينمائي الدولي ومهرجان «شيكاجو» السينمائي، وصولا لمهرجان القاهرة السينمائي. لكن «فيلم مسلم» لا يزال حتى اليوم يبحث عن موقع له بدور العرض الأمريكية، إذ لم تتبنه أي شركة توزيع .