دعا الباحثون المشاركون في الدورة ال20 للمجمع الفقهي الإسلامي، المسلمين إلى الاستكثار من مراكز التحكيم المنضبطة بضوابط الشرع، والحرص على النص عند اللجوء إليها في العقود والمعاملات التجارية ما أمكن، والحرص مهما أمكن إذا اضطروا إلى القبول باللجوء إلى قانون وضعي معين أن يضيفوا إليه شرط عدم مخالفة الشريعة الإسلامية، إضافة إلى إنشاء محكمة العدل الإسلامية. وأكدوا خلال استعراض البحوث التي أعدت للمناقشة في الجلسة الأولى من الدورة ال20 للمجمع الفقهي الإسلامي بعنوان «اشتراط التحاكم في العقود المالية إلى قانون وضعي»، أن جواز التحاكم إلى القوانين الوضعية بشروطه المتقدمة لا يحل الحرام، فمن حكم له بشيء لا تبيحه الشريعة فإنه لا يجوز له أخذه، وعليه أن يتخلص منه بصرفه في مصالح المسلمين. وبين الباحثون شروط القاضي، وهي أن يكون مسلما، فلا يجوز رفع القضية المتنازع فيها إلى غير مسلم، وأن يكون ذكرا، فلا يجوز تقليد المرأة للقضاء مهما كانت عالمة وخبيرة، «إلا أنه أجاز تقليدها لفيف من الفقهاء كابن جرير الطبري، وابن قاسم من المالكية، والحسن البصري وكثير من علماء الحنفية»، وأن يكون فقيه النفس بالأحكام الشرعية، وأن يكون عادلا تغلب حسناته على سيئاته، فلا يجوز تقليد الفاسق. وأوضحوا عددا من المرتكزات الأساسية في التحاكم، وهي أنه رفع الخصومة للقاضي ليحكم فيها، وأن الاستعانة بمن يدفع عن الشخص ظلما أو يرفعه عنه من باب الاستنصار وليست من باب التحاكم، وهي جائزة إن لم يؤد إلى ضرر أعظم، وأن التحاكم يجب أن يكون إلى كتاب الله أو صحيح سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وجاءت الأوامر بذلك من الله في كتابه وفي صحيح سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن التحاكم إلى غير الكتاب والسنة للضرورة أو الحاجة المنزلة منزلتها دلت الآيات والأحاديث والقواعد المنبثقة عنهما على أنه يجوز، وأنه في حال الترخص بالضرورة أو الحاجة المنزلة منزلتها، لابد من تحقيق مناطها ليتم العمل بقاعدة «الضرورات تقدر بقدرها»، وقاعدة «ارتكاب أخف الضررين»، وأن ما كان من الشروط في القوانين الوضعية مباحا شرعا، يعتبر من الشريعة الإسلامية والموافقة عليه جائزة. وتمت خلال الجلسة مناقشة بحث اشتراط التحاكم في العقود المالية إلى قانون وضعي لمفتي موريتانيا الشيخ أحمد المرابط ابن الشيخ محمد الشنقيطي، وبحث حكم التحاكم إلى القوانين الوضعية للأستاذ في كلية الدراسات الإسلامية والعربية في دولة الإمارات العربية المتحدة الأستاذ الدكتور عبدالله محمد الجبوري، والقضاء في الإسلام ورفع القضايا إلى القوانين الوضعية للأستاذ في معهد الدراسات العليا في اسطنبول بتركيا الدكتور خليل عبدالكريم كونج، وبحث حكم اشتراط التحاكم إلى القوانين الوضعية في العقود التجارية للخبير الشرعي في بيت الخبرة العالمي للاستشارات المصرفية الإسلامية الأستاذ الدكتور حمزة بن حسين الفعر الشريف، واشتراط التحكيم أو التحاكم إلى قانون وضعي في عقود المؤسسات المالية لعميد كلية الشريعة في جامعة الكويت سابقا الشيخ الدكتور عجيل جاسم النشمي. وأكد الباحثون خلال الجلسة أن ديننا الحنيف جاء لنا بوسائل مهمة وأمرنا أن نستعملها فيما بيننا لكي نفض النزاع الذي يتولد من طبيعة البشر، وهذه الوسائل هي القضاء والتحكيم وإصلاح ذات البين، فإن الإنسان مدني بطبعه محتاج إلى أن يقوم ويقعد ويبيع ويشتري ويعقد عقودا مختلفة، ويكون نتيجة ذلك نزاع واختلاف فيما بينه وبين غيره ولا بد من حله بهذه الوسائل، وأهمها القضاء. وكان المفتي العام للمملكة ورئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ دشن في مقر الرابطة بمكةالمكرمة أمس، الدورة ال20 للمجمع الفقهي الإسلامي، التي تعقد خلال الفترة من 19 إلى 23 محرم الجاري، بحضور الأمين العام للرابطة الشيخ الدكتور عبدالله التركي، والأمين العام للمجمع الفقهي في الرابطة الشيخ الدكتور صالح البقمي، وبمشاركة العلماء والفقهاء أعضاء المجلس الذين توافدوا إلى مكةالمكرمة من مختلف البلدان والمجتمعات الإسلامية. وبين المفتي في كلمته أهمية الدور الذي يقوم به المجمع الفقهي الإسلامي في الرابطة، مبرزا حاجة المجتمعات الإسلامية إلى البحوث والدراسات الفقهية التي يعدها أعضاء المجمع من العلماء والفقهاء والباحثين، التي يناقشها المجمع خلال دوراته وفيها قضايا مستجدة في حياة المسلمين، تعالج مسائل في الطب، والاقتصاد والعلاقات الاجتماعية وشؤون الأسرة، وغيرها مما يحتاج إليه المسلمون في حياتهم الحاضرة. من جهته، استعرض الدكتور عبدالله التركي منجزات المجمع الفقهي الإسلامي، الذي يعتبر أول مجمع إسلامي أنشئ في العالم الإسلامي، مبينا أن مؤتمر الفتوى وضوابطها الذي عقده المجمع كان له أثر كبير في توحيد جهود العلماء والفقهاء في مجالات الإفتاء .