بعد إعلان البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية رسميا أن الجهود التي بذلتها على مدى العامين الماضيين منذ بداية ولاية الرئيس باراك أوباما، والرامية إلى إقناع الكيان الصهيوني بتجميد الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدسالشرقية، كشرط لاستئناف المفاوضات قد باءت بالفشل، وأن أمريكا قد تخلت عن تلك المساعي بإقناع تل أبيب بوقف الاستيطان أو حتى مجرد تجميده، باعتباره شرطا لاستئناف المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين. عدت السلطة الفلسطينية هذا الإعلان الأمريكي دليلا جديدا على رفض الحكومة الصهيونية للسلام، ودليلا آخر على تراجع الإدارة الأمريكية عن وعودها بتجميد الاستيطان، فبدأت باللجوء إلى الخطة البديلة عن استئناف المفاوضات، وهي إقناع العديد من دول العالم بالاعتراف بدولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزةوالقدسالشرقية. ونتيجة لعدم وجود بارقة أمل في التوصل إلى اتفاق سلام عادل مع الحكومة الصهيونية برئاسة بنيامين نتنياهو، وفي ظل الصعوبات التي قد يواجهها الفلسطينيون في مجلس الأمن الدولي، توقعا لاستخدام أمريكا لحق النقض «فيتو»، للحيلولة دون اعتراف الأممالمتحدة بالدولة الفلسطينية، فإن السلطة الفلسطينية وفقا لتصريحات كبار مسؤوليها ستدعو لجنة المتابعة العربية للاجتماع، وبحث الرد المناسب على نتائج فشل المساعي الأمريكية، وعقد اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني، وستقوم السلطة الفلسطينية بتكثيف جهودها، وتعبئة دول العالم لتأييد هذا الاعتراف، والسعي للحصول على اعتراف دول أوروبا الغربية بالدولة الفلسطينية، ورفع التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى السفارة، كما فعلت فرنسا والبرتغال والنرويج وإسبانيا، واستخدام هذه التعبئة لدفع أمريكا إلى التخلي عن استخدام «الفيتو». وكانت البرازيل والأرجنتين، وهما أهم دولتين في أمريكا اللاتينية قد اعترفتا بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، ومن المتوقع أن تتبعهما أوروجواي الشهر المقبل، ومن المتوقع أن تتبع هذه الاعترافات لاحقا اعترافات مماثلة من باراجواي وتشيلي وبيرو وإكوادور وسلفادور، مع ملاحظة أن دول كوبا ونيكاراجوا وفنزويلا وبوليفيا اعترفت سابقا، ومع كل اعتراف دولي يصدر، ربما تزداد الصعوبة أمام أمريكا في استخدام حق الفيتو عندما يلجأ الفلسطينيون إلى مجلس الأمن، وعلى الرغم من أن الاعتراف الدولي قد لا يغير الكثير على الأرض، فإنه قد يعزز موقف الفلسطينيين دوليا ويحفظ مطلبهم في أن تكون حدود 1967 هي الأساس في رسم الحدود بينهم وبين الكيان الصهيوني وتتباين وجهات نظر المحللين السياسيين، إزاء الجدوى العملية من الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فبينما يعده البعض فعلا إيجابا ويعده غاية في الأهمية، ومؤشرعلى التطور الإيجابي في الموقف الدولي من الدولة الفلسطينية، وأن الاعتراف سبقه رفع بعض الدول الأوروبية التمثيل الدبلوماسي لديها، وهو ما يعني نضوجا تدريجيا في المواقف الأوروبية تجاه الدولة الفلسطينية. فيما يقول البعض الآخر، إن هذا الاعتراف لا يعدو كونه مجاملات وعلاقات عامة، وإنه إذا أراد المجتمع الدولي بحق أن يعترف بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، فعليه أن يوقف الاستيطان بشكل كامل وينهي العدوان ويؤمن للشعب الفلسطيني حقوقه كلها، وأنه سبق في عام 1988 إعلان قيام الدولة الفلسطينية وحظيت باعتراف 167 دولة، معتبرا ذلك الاعتراف شيكات دون رصيد، لأنه لم يترتب على هذا الاعتراف أي إجراءات عملية تمنع الاحتلال من عبثه في الدولة الفلسطينية هذه، ولاينبني على هذا الاعتراف قانونيا وعمليا على أرض الواقع أي شيء، بينما الأمر العملي هو ضرورة العمل الفلسطيني بشكل جماعي لانتزاع الحقوق الفلسطينية المشروعة انتزاعا، وعندها سيكون الاعتراف واقعا عمليا أمام الجميع .