بعد نشر سلم رواتب قناة تليفزيونية ما، تبين أن أكثر موظفيها «أجانب» والسعوديون يعدون على الأصابع وبرواتب يندى لها الجبين، عاد لي تساؤل كنت أظن أني تناسيته حتى نسيته ولكن شكرا لهذه القناة على فتحها جروحا لا تندمل. هل من المعقول أن دولة بحجم المملكة، وتعداد سكانها الذي يفوق تعداد سكان مجموعة دول مجاورة، لا تستطيع إنجاب طاقم قناة؟ هل من المعقول أن الأمن والأمان الذي نعيشه لم يستطع أن ينشئ لنا جيلا مبدعا يستطيع أن يمسك بزمام الأمور «ويدير» الشركات والمؤسسات؟ أم أن دول الحرب والحصار استطاعت أن تفعل ذلك بالرغم من جميع ما يحيط بها؟ عقدة الأجنبي التي لدينا لم تعد حالات شاذة في وطننا كما كانت من قبل، بل تطورت المشكلة الآن لتطول المؤسسات الصغيرة كما طالت الكبيرة، خاصة بعد أن بدأت بعض الشركات الكبرى في البلد بالتخلي عن وعودها والتزاماتها بالسعودة والتحول إلى «تطفيش» السعوديين لإحلال الأجانب، سالكين بذلك طريقا مظلما يتوعد بالكثير من المشاكل المستقبلية، ويضع مصير أبناء الوطن في أيدي من لا يحمل هويته «مع كامل احترامي لكل الأجانب في وطني». المسألة ليست مسألة رواتب، أو أحقية فحسب، ولكن المشكلة الكبرى هي أنه وبعد فترة سيكون من يتحكم في الصناعة والتجارة في الوطن، هم أفراد لا يمتون إليه بصلة، ولن يهمهم بكل تأكيد ما يحدث له مستقبلا. ولنا في ملف قطر 2022 ورحلة العمل عليه خير مثال على توطين الخبرات وتدريب الكوادر الوطنية، بالطبع لم يكن كل العاملين على الملف قطريين، ولم تكن كل الأفكار قطرية، ولكن الإدارة كانت قطرية، وكثير من الكوادر قطريون، وستستمر بالعمل على هذا الملف لاثنتي عشرة سنة مقبلة بنهايتها تكون قطر حصلت على «كأسها»، وخبرة تحويها عقول قطرية مدى الحياة. هنا هو الاستثمار الأكبر لقطر وأهلها، ولن يساوي ذلك الكسب «المعرفي» ألف كأس عالم يفوز به المنتخب، ولا حتى عشرة آلاف كأس خليج.