كان البدء في مشروع الإسكان الخيري في جازان الذي أقامته جمعية الأمير محمد بن ناصر الخيرية لتسكين الفقراء والمحتاجين من أبناء جازان، نقلة نوعية في مستوى الخدمات المقدمة في هذا المجال، وفرصة ذهبية للحصول على مسكن بمواصفات قياسية في هذا المشروع الذي انطلق عنه قبل خمسة أعوام. إلا أن الاتهامات بالمحسوبية لاحقت اللجنة المكلفة باختيار المستحقين للحصول على الوحدات السكنية ال150 المكونة من طابقين، وتجاوزها الشروط الموضوعة في هذا الإطار لصالح عدد من المواطنين الميسورين ماديا وسكنيا وعلى حساب المستحقين الحقيقيين من الأيتام والفقراء والأرامل. وهو الأمر الذي نفته الجمعية التي أكدت التزامها بكل المعايير الموضوعة مسبقا بكل شفافية. ِقبل نحو خمسة أعوام صدر قرار أمير منطقة جازان الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز بإنشاء وتأسيس مجمع خيري سكني يتكون من مجموعة من الفلل الحديثة المصممة لاستيعاب أكبر عدد ممكن من المحتاجين وفق شروط موضوعة لصالح أبناء مدينة جازان القاطنين في بعض الأحياء العشوائية القديمة. وتوالت تبرعات أهل الخير من المحسنين على مستوى الوطن بعد أن تم اختيار الموقع بعناية من قبل أمانة المنطقة، وتم توفير المبلغ المالي المطلوب لقيام هذا المشروع الخيري الأول من نوعه على مستوى المنطقة، وتم تشكيل لجنة لاختيار سكان المشروع وفق معايير وشروط محددة، إلا أنه وبعد تسليم مفاتيح تلك الوحدات السكنية لأصحابها ظهرت أصوات تتهم اللجنة بخرق شروط الاختيار وتسكين بعض المقتدرين ماليا ولديهم مساكن قائمة بالفعل على حساب مستحقين حقيقيين. كشوفات خاصة وأكد عدد من الأسر الفقيرة ل«شمس» أنها تقدمت مبكرا للحصول على وحدات سكنية خاصة أن كافة الشروط تنطبق عليهم إلا أنهم تفاجؤوا بعدم ظهورهم في كشوفات الإسكان النهائية في وقت ظلت أوضاعهم المادية الصعبة تراوح مكانها ويقيمون في بيوت شعبية مستأجرة ولا يستطيعون تدبير أجرها في أغلب الشهور. وقالت «هاجر. ع- 35 عاما» التي تعيش مع شقيقها وشقيقتها في منزل خالهم بعد وفاة والدهم وزواج والدتهم لاحقا، إنهم كادوا يطيرون فرحا عندما علموا بأمر المشروع الذي عقدوا عليه آمالا كبيرة خاصة أنهم لم يكونوا يشعرون بالاستقرار والراحة في منزل خالهم الذي يضيق بأسرته: «حملت الأوراق المطلوبة وتقدمت إلى اللجنة المعنية للإسكان التي أعطتني رقما للمراجعة، وذهبت وأنا على يقين بأننا سنحصل على وحدة سكنية نظرا للظروف الصعبة التي نعيشها». وبعد عدة أشهر من الانتظار راجعت هاجر إدارة المشروع إلا أنها صدمت عندما علمت أن اللجنة لم توافق على طلبها بداعي عدم مطابقته للشروط، «سقط في يدي ولم أدر ماذا أفعل، فقد كنا نعقد آمالا كبيرة على هذا المشروع في وضع حد لمعاناتنا. ولو كان عدم اختيارنا لحساب مستحقين حقيقيين لهان الأمر، إلا أن المشكلة أن بعض الميسورين ممن لديهم منازل وأملاك وسط أحياء المدينة حصلوا على فلل سكنية في المشروع» . مستحقون ولكن أما الأرملة «س.م» التي فشلت هي الأخرى في الحصول على مسكن في المشروع فأشارت إلى حدوث بعض التجاوزات في عملية اختيار المستحقين للسكن: «توفي زوجي وترك لي أربعة أطفال ومنزلا مستأجرا ولم يترك لنا مالا، فلجأت إلى الضمان الاجتماعي الذي منحنا إعانة قدرها 1400 ريال كنا نستعين بها على دفع أجرة المنزل وباقي احتياجاتنا من أكل وشرب وكساء وتعليم، إضافة إلى ما أحصل عليه من مال من عملي في الخدمة في البيوت. وبعد أن علمنا بخبر المشروع لم أتردد في التقدم إليه لعلنا نحصل على منزل ونسقط بند الإيجار من قاموس حياتنا إلى الأبد». الأرملة وبعد أن تقدمت بطلبها زارها الباحث الاجتماعي في منزلها وتأكد من كافة بياناتها ووضعها، وطمأنها بأنها ستكون من المستحقين، إلا أنه وبعد مرور وقت طويل وعدم ورود أي اتصال من اللجنة المكلفة بالاختيار ساورتها الشكوك: «علمت من بعض الجيران أن توزيع المساكن بدأ، وأن أسماء المستحقين ظهرت في كشوفات؛ فأسرعت لإدارة الإسكان وكلي أمل، إلا أن الصدمة كانت قاسية». وأكدت الأرملة أنها مندهشة من إسقاط المستحقين لحساب بعض الأسر ميسورة الحال، التي قامت بتأجير منازلها حتى يحصلوا على وحدات سكنية في المشروع. أما المواطن يحيى جاري فذهب إلى أبعد من مجرد اتهام اللجنة بالمحسوبية، حيث أكد أن بعض الذين حصلوا على مساكن في المشروع من غير السعوديين: «تفاءلت بالحصول على مسكن في المشروع بعد الإعلان عنه، حيث تقدمت بأوراقي مبكرا إلى إدارة الإسكان وزارني باحث اجتماعي وتأكد من سكني أنا وزوجتي وأطفالي في غرفة بمنزل والدي مع عملي على فترات متقطعة في البحر، نظرا لمرضي، لكن المؤلم ورغم كل تلك المشاهدات الحقيقية التي نقلها الباحث، أن الاختيار وقع على غير المستحقين». وأكد جاري أن بعضا ممن حصلوا على وحدات سكنية هم يمنيون تقدمت زوجاتهم السعوديات بطلب الحصول على سكن، على الرغم من أن أبناءهن يحملون الجنسية اليمنية تبعا لآبائهم، « بعض الزوجات استطعن إقناع اللجنة بأنهن مهجورات من أزواجهن واستطعن الحصول على وحدات يعشن فيها مع أبنائهن». يذكر أن الوحدات السكنية التي وزعت على المستفيدين صممت على نموذجين: الأول عبارة عن وحدة سكنية «نظام فيلا كاملة» مكونة من دورين تشتمل على ست غرف وصالة معيشة ومطبخ وأربع دورات مياه، وتبلغ المساحة الإجمالية للوحدة 204 أمتار مربعة على أرض تبلغ مساحتها 512 مترا مربعا، فيما يتكون النموذج الثاني من مبنى مقام على مساحة إجمالية بلغت 105 أمتار مكون من طابقين تشمل وحدتين سكنيتين، كل منهما تحتوي على غرفتين وصالة معيشة ومطبخ ودورتي مياه، مع تخصيص مدخل مستقل لكل وحدة، إضافة إلى حوش وملحق مكون من غرفة ودورة مياه لكل وحدة سكنية من الوحدتين، التي يشتمل عليهما المبنى. وقد وضع حجر الأساس للمرحلة الثانية للمشروع بتكلفة إجمالية بلغت 25 مليونا .