لم تنتظر إدارة مدرسة ثانوية في المنطقة الشرقية إقرار نظام يسمح لجعل الأمن المدرسي إحدى أعمدة العملية التربوية وسارعت بجلب حارسات أمن في المدرسة، بعد تفاقم وتيرة العنف المدرسي بين الطالبات، لتطال أحيانا الإداريات والمعلمات، وهي الظاهرة التي باتت تنتشر يوما بعد يوم في المدارس المزدحمة بالطالبات. بل غدت ظاهرة «الفزعة» الطاغية على الأجواء في المدارس، أحد الآثار السلبية عن العنف في مدارس الطالبات، والتي لا يمكن غض الطرف عنها كونها بدأت تنتشر وتتمدد في الوسط الطلابي. هذه الصورة المقلوبة دعت التربويات والقيادات التعليمية في المنطقة الشرقية، للمطالبة بإدخال الأمن النسائي في المنشآت التعليمية للمراحل «المتوسطة والثانوية»، وإسناد المهام التنظيمية والانضباطية لهن، ما يبعد بشكل كبير الانتقائية التي تسود المدارس الآن، وتداخل المهام بين المراقبة والمرشدة الطلابية ومساندات تطوعية من بعض المعلمات لإعادة الأمر إلى نصابه حال حدوث فوضى. لكن الظاهرة أو لعلها البادرة، تعكس الكثير من التساؤلات في ضوء أنها برزت في أوساط لم يعرف عنها سوى المزيد من الانضباط طيلة العقود الماضية، إلى الدرجة التي بات تعليم البنات يقارع تعليم البنين، في مسألة الانضباط، إن لم يكن يتفوق عليه أحيانا، ما يعكس مدى الدعم والتشجيع الذي يجده من أعلى المستويات التربوية، فماذا حدث؟ وهل تطور التعليم في الاتجاه السلبي أم أن تحديث المناهج غفل عن أهمية التربية؟ وإذا كانت المعلمات يخشين الطالبات، أو لا يردن الدخول معهن في إشكاليات، فهل يعني ذلك أنهن وصلن لمرحلة القناعة بأن دورهن التربوي «ذهب إلى غير رجعة»، وأن المهمة التعليمية «مجرد أداء واجب»؟. ولكن بعيدا عن الواقع المدرسي، أليست الأسرة أو الأهل هم المسؤولون عن تفاقم أو حتى نشوء الظاهرة، فأين التربية في المنزل، وأين الدور التوجيهي الذي يجب أن يطغى على اتجاه الطالبات؟ وإذا كانت فكرة حارسات أمن أو ما يعرف اصطلاحا ب «البودي جارد»، تحولت إلى مظهر نسائي، فأليس المظهر تحولا في سيمفونية التعليم، أم يعد إلغاء لما لا يمكن إلغاؤه؟ ومن تراه يتحمل فاتورة الحارسات؟ وهل تجبر الوزارة على توفير عناصر أمن؟ أم أن الأمر من مظاهر الترف؟ وهل تسمح الوزارة بهذا التطور؟ أم تتخذ إجراءات رادعة دون أن تتكلف فاتورة مادية وأخرى معنوية بالاعتراف ضمنيا بانفلاتات أمنية داخل المدارس؟ تأييد للحماية العديد من الطالبات أنفسهن وقفن في موقف المؤيد لمثل تلك الحارسات، بل يعتبرن الإسراع في توفيرهن أمرا جديا وضروريا، حسبما تشير طالبة الثانوية نجد العتيبي «فوجود الأمن النسائي داخل حرم المدرسة في الوقت الراهن، يعد ضرورة؛ لأنهن الأقدر على ضبط الأمور داخل المدارس، ومكافحة الجريمة أو العنف المتزايد بين الطالبات المخالفات، خاصة أن العنف ليس كل المظاهر السلبية، بل هناك ظاهرة السرقات التي تحصل في المدارس، بالإضافة إلى ضبط الطابور الصباحي والحد من تسرب الزوار للمدارس». وتعتقد زميلتها دلال ناصر أن عدم وجود أمن مدرسي يسهل حدوث السرقات «بل يتسبب في تسريب الأسئلة إلى جانب تخريب الأجهزة المدرسية». وتعترف طالبة المتوسطة مشاعل علي أن أحداث العنف في مدرستها باتت ممارسات شبه يومية، ما يدعو إلى أهمية التدخل السريع للقضاء على هذه الممارسات، ولن يتحقق ذلك إلا بتواجد أفراد من حارسات الأمن يرجحن كفة الأمن والأمان داخل مدارس البنات التي صارت للأسف مفقودة. حلول داخلية لكن طالبة الثانوية وضحى غازي، تخالف ذلك، وإن اتفقت على تنامي العنف في المدارس «أرى أننا لسنا في حاجة ملحة لحارسات المدارس، والأمن يعالج أمورا بسيطة، لكن القضاء على الممارسات الخاطئة لا بد أن يبدأ من الطالبات أنفسهن». قضم الآذان وتعارضها المشرفة التربوية أمل المطلق، التي تشير إلى أن العنف وصل إلى مرحلة أن تقوم طالبة بقضم أذن زميلتها في إحدى مدارس حائل، ما ينذر بتداعيات خطيرة، إذا ترك الباب على مصراعيه « يجب تواجد الأمن المدرسي ضمن ضوابط معينة، وصلاحيات محدودة بخلفية اجتماعية ونفسية متخصصة، لا أن يترك الأمن لمن يجهل التعاطي مع الطالبات في هذه السن تحديدا». واعتبرت أن وجود الأمن لا بد أن يكون مكملا للعملية التربوية «علينا الاعتراف بأن تزايد العنف يعود إلى تراجع دور المعلمة وغياب دور الأهل في احتواء الطالبات، وربما أسهم الانفتاح الذي تشهده المملكة في دخول سلوكيات مقتبسة من الغرب تقوم الطالبات بتنفيذها من باب المحاكاة والتقليد». أعباء إضافية وعلى نفس المنوال تنظر المعلمة رقية قنيوي، مشيرة إلى أن الأمن المدرسي مهم في انضباط الطالبات ووقف التسرب من الحصص إلى جانب تقليل المهام الملقاة على المعلمات، وتحديده ضمن أطر معينة للأمن المدرسي «يكفي الدور الكبير الذي تقوم به المعلمات مع زيادة عدد الحصص ما يحتاج إلى جهد مضاعف طيلة اليوم الدراسي، وهذا الأمر من متابعة الطالبات والمناوبات، يعد عبئا إضافيا علينا كمعلمات؛ لذا الأنسب أن تسند المهمة للأمن المدرسي». ضرورة قصوى وترى مساعد المدير العام للشؤون التعليمية بإدارة التربية والتعليم بنات بالمنطقة الشرقية الدكتورة ملكة بنت بكر الطيار أن الأمن النسائي المدرسي بات ضرورة، «وذلك للفائدة والمردود الإيجابي لجميع منسوبات المدرسة: الطالبات، الهيئة الإدارية، التعليمية». ضبط سلوكيات وتؤيدها مديرة إدارة الإشراف التربوي بالمنطقة الشرقية سناء عبدالرحمن الجعفري «نحن بحاجة إلى أمن نسائي داخل المباني الخاصة بالإدارات النسائية وفي المدارس وذلك للمحافظة على خصوصية المرأة، وتواجد موظفة أمن داخل المبنى بشكل دائم يترتب عليه ضبط السلوكيات». فائدة وإيجابية وتنظر مديرة إدارة التوجيه والإرشاد بالمنطقة الشرقية زينب هلال الغامدي إلى وجود أمن نسائي مدرسي بأن له فائدة ومردودا إيجابيا أكثر في المدارس الثانوية «نظرا إلى وجود بعض حالات العنف في بعض المدارس بين الطالبات أنفسهن أو ضد المعلمات والإداريات، لذا فإن الأمن المدرسي الهدف منه الحفاظ على سلامة الطالبات في المدرسة وأعضاء الهيئة التعليمية». رادع بشري وعززت الرأي مشرفة الإعلام بإدارة الإعلام التربوي بالمنطقة الشرقية مسفرة محمد الغامدي، بضرورة تواجد الأمن المدرسي «أعتقد أن حارسة الأمن في مدارس البنات باتت ضرورة مُلحّة، في ظل غياب استشعار بعض الطالبات للهدف والغاية من وجودهن في المدرسة، وفي ظل تجرؤ البعض من الطالبات، إذ تعتقد إحداهن جهلا أن ما تقوم به من تمادٍ على زميلاتها أو تطاول على معلماتها أيا كان نوعه إنما هو من قبيل الشجاعة أو قوة الشخصية وإثبات الذات، حينها لا بد من رادعٍ بشري يردع هذا العنف، ليعم الهدوء والاستقرار في البيئة المدرسية، وتسير العملية التعليمية على خير ما يُرام». نسائي 100 % وأكدت مديرة إدارة نشاط الطالبات بالمنطقة الشرقية نورة الشهراني على أنها مع هذه الآلية؛ لكون المجتمع المتواجد فيه هو نسائي 100 %، وتواجد الأمن النسائي ضرورة مُلحة للحفاظ على الأمن دون تحفظ لاختلاف الجنس، والقدرة على احتواء المواقف الطارئة بين النساء والتحقيق المباشر من الشخصيات بالمطابقة، وقبل كل ذلك فتح مجال للوظائف النسائية، بحيث ينظر لها بطريقة مُقننة وبمسميات حسن المهام الموكلة لها. تعميم الحراسات وذهبت مشرفة إدارة الإعلام التربوي عزة ذياب إلى ما هو أبعد من ذلك بالمطالبة بأن يشمل الأمن المدارس، وحتى مكاتب التربية والتعليم، وفي الإدارات التعليمية، بعدة ضوابط لا بد من التشديد عليها، مشيرة إلى أن تأييدها للأمن المدرسي يرجع إلى جملة من الأسباب منها ازدياد مشكلات الطالبات، حيث طفت على السطح بعض حالات العنف بينهن علاوة على ازدحام الطالبات في المدارس ما يترتب عليه المتابعة الدقيقة والمستمرة، لا سيما أن المدرسة تمر بمواسم عصيبة تزدحم فيها الأعمال على المعلمات وعلى الهيئة الإدارية، مثل موسم الامتحانات، وبداية السنة الدراسية، والمناسبات المختلفة؛ ما يجعل البيئة مهيأة لحدوث إشكالات ومخالفات من الطالبات. ضوابط النجاح ووضعت عزة ضوابط لنجاح فكرة الأمن المدرسي؛ «أن تكون حلقة وصل بين الفئة المستفيدة والحراسة الخارجية المتمثلة عادة في «البواب»، إلى جانب إسناد أمر المتابعة لجهة أمنية يعطي طابع الهيبة، وبالتالي يكون امتثال الطالبة وأولياء الأمور كذلك للتوجيهات أقوى، ويجب أن يخضع اختيار الحارسات لمعايير معينة تكفل جودة الأداء منها أن تكون جامعية، وأن تثبت حسن سيرتها وسلوكها بشهادة معتمدة من جهة رسمية وأن تخضع لدورة تدريبية معتمدة ومكثفة، تحيطها بطبيعة عملها: الهدف منه، خصائص المرحلة العمرية التي تتعامل معها، كيفية التعامل مع السلوكيات والشخصيات المختلفة، مشددة على أن تمنح ميزات تحقق لها احترامها لذاتها أولا، ولعملها، وتكسبها احترام الآخرين وبالذات الطالبات، بل ويكسبها احترام الرأي العام لعملها، ما ينعكس إيجابا عليها بالإخلاص والتفاني في العمل والسعي لتطوير الذات، ومن تلك الميزات: راتب متميز، علاوة سنوية، ولتكن مرتبطة بكفاءتها، مع توفير مرجعية محددة في إدارة التربية والتعليم، إما أن تنشأ إدارة خاصة بحارسات الأمن، أو تكون ضمن إدارة الخدمات، أؤكد على أن يكون الراتب مغريا أولا؛ لأن العمل يتطلب جهدا، وحتى لا يقال على قدر الراتب يكون العطاء، ثانيا: لسد حاجة هذه الفئة؛ لأن الحاجة والفقر أحيانا قد تكونان تبريرا لدى البعض للانحراف والبحث عن وسيلة لسد الاحتياج، فتجد الموظفة في الطالبات طريقا لذلك، وبالتالي نكون قد فتحنا ثغرة بل ثغرات أمنية داخل المدارس، لا سيما أن الخطر سيأتي من مأمنه». حذار من العنابر وترفض المعلمة منى المزيني فكرة إدخال الأمن المدرسي، مشيرة إلى أن المدارس في المملكة بشكل عام لم تصل إلى درجة الاستعانة بأمن لتحولها إلى سجون، بدلا من محاضن للتربية والتعليم «هناك طرق أكثر تربوية في معالجة العنف وعدم الانضباط السلوكي بين الطالبات، ووجود الأمن المدرسي يولد ضغطا نفسيا على الطالبات، من شأنه أن يفتح جبهة أخرى في تعاطي الطالبة مع العملية التعليمية تفضي بها إلى عنف موجه نحو الأمن أيضا». وشددت على أهمية تكثيف دور المرشدة الطلابية وخلق أنشطة لا منهجية توجه طاقات الطالبات، بدلا من إدخال عنصر جديد يكون فيه نوع من الحدة في التعاطي مع مراهقات يحتجن إلى الاحتواء في هذه المرحلة. وأشارت إلى أن سن عقوبات رادعة ضد العنف قد يسهم في الحد منه « للأسف هيبة المعلمة تضاءلت ولم تعد تلك الكيان الذي ينظر لها بعين الاحترام، إلى جانب دور الأهل الذي اختفى ولم يعد له وجود، والأهل يزرعون في نفوس بناتهن أخذ حقهن بأنفسهن ما يحيل المدارس إلى قانون الغاب، وينشر بذلك أشكالا وطرقا للعنف فيما بين الطالبات، لا سيما مع تكدس الطالبات فهل يعقل أن يضم فصل واحد 40 طالبة؟».