«حتى يكون الفنان فنانا حقيقيا لا بد أن يكون مثقفا، وحتى يكون ملما بقضايا مجتمعه من الواجب أيضا أن يمتلك بعد نظر للمعالجة بعمق»، مثل هذه العبارات تتكرر في أكثر من مشهد فني أو اجتماعي، وعادة ما يرمي من خلالها البعض إلى أن نسبة كبيرة من الفنانين والنجوم الذين نشاهدهم غير مثقفين.. مما يدعنا نطرح تساؤلا قد يجر خلفه تشعبات عديدة ألا وهو: «هل من الواجب أن يكون الفنان مثقفا»؟ عن هذا السؤال أجاب المؤلف المسرحي محمد العثيم الذي رأى أنه من الضروري أن يملك الفنان الحد الأدنى من الثقافة حتى يقدم فنا راقيا يحوي مضامين تهم المشاهدين، وهذه الثقافة تنعكس على ما يطرحه الفنان بحيث يبتعد عن السطحية والإسفاف: «كثير من أعمالنا شكلية ولا تحتوي على فن، وأحد أسباب ذلك هو المعلن الذي لا يريد ثقافة ويريد الترويج لسلعة وليس للفن». وبين العثيم الذي تطرق لنفس الموضوع عبر برنامج «مساء الأربعاء» الذي يقدمه خالد الشهوان وشيرين الرفاعي، أن فكر الفنان يسهم في تصحيح كثير من المفاهيم ويساعد على تقديم رؤية توضح لكثير من المشاهدين ما يود تصوره من خلال العمل. من جهة أخرى ذكر المخرج رجاء العتيبي أنه ليس من واجب الفنان أن يكون مثقفا بكل ما تحمله الكلمة من أبعاد بل على العكس يجب أن يكون فنانا وليس مثقفا: «ليست مهمته معالجة القضايا والدراما التي يقدمها، وليس بالضرورة أن يكون للفن رسالة بالمعنى الحرفي لهذه الكلمة، لأن الفن حالة جمالية، ووعي بإدراك الوجود، وتربية جمالية للإنسان، إنه أي الفن ضرورة من ضرورات الحياة يعيشها الإنسان بكل كيانه ولا يتلقاها كوصلة إرشادية: «عندما نركز على «الرسالة» بمعناها الحرفي تتحول الأعمال الدرامية إلى أعمال توجيهية وإرشادية، وهذا ليس من مهمة الفنون بمختلف أنواعها. في تقديري أن «الرسالة الجمالية» لا تزال في طريقها للنمو، وعلم الجمال تحديدا لا يزال علما مهملا في ثقافتنا». من جهة أخرى ذكر الفنان بشير الغنيم أن الثقافة حالة مكتسبة ولكن الفن حالة فطرية داخل الفنان، فمن السهل أن تجد لاعب كرة قدم موهوبا بالفطرة وفي النهاية لا يملك من الثقافة الحد الأدنى: «في النهاية وما أريد أن أؤكده أنني لست ضد أن يكون الفنان مثقفا أو منفتحا على الآخر، بل على العكس كلما كان مثقفا كان أكثر شعورا بمحيطه، وأخص هنا بالحديث الفنان الذي يمارس الكتابة مع التمثيل». الفنان علي إبراهيم أكد أن توجه الفنان هو الذي يحدد ماذا يملك ولمن يقرأ أو يطلع وما دراساته، وذكر أن هناك أدوارا في الدراما لا يجيدها إلا فنان صاحب نظرة ورؤية عميقة كي يتعايش مع المشهد بروح وثقة عالية، وهناك أعمال لا تحتاج إلا إلى فنان عادي يعتمد بالدرجة الأولى على موهبته: «جميل أن يكون جميع فنانينا مثقفين ولكن ذلك ليس شرطا، وكل ما أطمح إليه أن يتوازى الطرح الدرامي مع المجتمع لا أن يكون هناك فجوة بين ما يقدم للناس وبين ما يعايشونه»