لابد أنك جالستهم، وسمعت أحاديثهم في المجالس. يلوح الواحد منهم بيديه وهو يتشاءم ويتذمر من كل شيء حوله: المجتمع والمسؤولين ومستوى التعليم والصحة وإهمال النظام.. ثم يعدل جلسته ويتغنى بالوتر المحبب حين يقارن الوضع المحلي بالدول المتقدمة التي تتقدم أشواطا في الإنتاج والمدنية، يتعالى صوته الذي صار مبحوحا وربما يتناثر لعابه وهو يصيح بأننا لا نملك الفرصة ولا يمكن أن نصنع شيئا والوضع لا يسير إلى الأمام بل إلى الخلف، لا أحد من المسؤولين يلتفت إلينا ولا نجد من يمد لنا يد التبني والمساعدة حتى نصلح الحال. بس «ما حولك أحد» و«الوضع كله دمار في دمار». «بالمناسبة، ما شعور الصبيان في المجلس؟ لا أتصور أنهم سيتحمسون للذهاب إلى المدرسة غدا». تجدهم في كل مكان، حتى الإنترنت تفشوا فيها وانتشروا كالوباء. حين تسمع حديثهم، إما أنك بائس ومحترق مثلهم، فيبرد حديثهم قلبك. وإما أنك إيجابي طموح، فتشعر بأنك قرفت من الدنيا وما فيها بسببهم. وللمعلومية، يفرحون بخيبة أملك معهم. لقد عاشرت كثيرا من هؤلاء، في عائلتي وأصحابي، وأضعت ساعات من الجدال العقيم معهم، أحاول أن أعيد لهم التوازن، وأقول لهم إن في كلامكم وجاهة، فنحن لسنا أفضل الشعوب، وفينا من العيوب والمشاكل الشيء الكثير، ونعاني فعلا من فساد بعض المسؤولين، ومتأخرون كثيرا مقارنة بالدول المتقدمة. ولكن هذا لا يعني أن كل شيء هنا سيئ كما تزعمون! ولا يعني أن الحياة هنا لا تستحق الكفاح والسعي والمثابرة. إنما الدنيا هي ما نحب رؤيته منها. فمثلما تنظرون إلى المساوئ والعيوب، ومثلما تعشقون الأخبار السلبية، انظروا إلى الجوانب المشرقة، إلى النماذج الناجحة في هذا البلد، إلى الإنجازات التي يحققها جيل الشباب.. لماذا لا تقرؤون وتتحدثون عن نماذج الناجحين في الإعلام وفي الأدب وفي الفن وفي الاختراع وفي التدوين وفي العلم، وغيرهم ممن ظهروا وأنجزوا وحققوا؟ في كل يوم نكتشف أسماء جديدة صنعت وأنجزت حتى رغم الضغوط والكوابح التي تقولون عنها. الحقيقة هي أنه لا يوجد كوابح حولنا، الكوابح فينا نحن، والاعتراف بالتقصير هو أول خطوة للتقدم. ولكن حديثي هذا لا يفيد معهم، ولا يحرك فيهم ساكنا. ومع احتكاكي بهم، عرفت سرهم وسبب شكواهم واستيائهم الدائم. إنهم فاشلون! نعم! أكثر المتحدثين عن افتقارنا إلى النجاح والتقدم والإنجاز والصناعة، هم أكثر الناس افتقارا لتلك المبادئ في حياتهم الشخصية. إنها خيبة الأمل في أنفسهم، وليس في الدنيا. يخدعون أنفسهم، ويخفون ذلك بالتذمر الدائم حتى ينسوا كم هم يائسون، وكم هم أضعف من أن يتحركوا ويغيروا شيئا من المحيط حولهم. بالفعل يا أصحاب، إنها معضلة نفسية. لقد أقنعوا أنفسهم بأن الخلل في كل ما يحيط بهم لا في ذواتهم. ولهذا يعشقون التذمر من كل شيء، حتى الطقس! يحبون إحاطة أنفسهم بالحواجز، حتى يكون لديهم حجة في داخلهم تبرر لهم خمولهم. إنهم لا يتعمدون هذا، وربما لو قلت لهم هذا سوف ينكرونه، لأنهم لا يعلمون، ولا يريدون أن يعلموا. لماذا أشعر بأننا المخلوقات المتذمرة الوحيدة؟ حتى الجائع المشرد في الدول المتقدمة لا يتذمر ولا ينطق بكلمة شكوى. التذمر عيب يا أخي! إن كنت رجلا، فالرجال لا يتذمرون ولا يشتكون. الرجل الحقيقي هو من يؤمن بنفسه، وأنه قادر على شق طريقه وصنع حياته وقهر الظروف لصالحه. هذا هو الرجل. وإن كنت امرأة، فأنوثتك في ثقتك بنفسك وقدرتك على صنع ما تحلمين به دون التململ وفقدان الصبر من المعوقات والصعوبات حولك. مدونة مكتوم