وزارة الخارجية: المملكة تعرب عن أسفها لما قامت به الإمارات من ضغط على قوات المجلس الانتقالي الجنوبي لدفع قواته للقيام بعمليات عسكرية على حدود المملكة الجنوبية في محافظتي حضرموت والمهرة    مهاجم الهلال يتربع على قائمة أمنيات جماهير فلامينغو    خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد يعزيان أسرة الخريصي    سمو الأميرة تهاني بنت عبدالعزيز بن عبدالمحسن آل سعود ترعى اختتام برنامج التدريب على جهاز برايل وتدشّن كتابها بالمدينة المنورة    مبادرة رافد الحرمين تستأنف عامها الثَّالث بتدريب المراقبين الميدانيين    مجلس حضرموت الوطني يثمّن جهود المملكة في التصدي لمحاولات تهريب السلاح ويؤكد دعمه للشرعية اليمنية    تراجع مؤشر الدولار    الصين تجري مناورات عسكرية لليوم الثاني على التوالي حول تايوان    مجلس الأمن يعقد جلسة طارئة بشأن الاعتراف الإسرائيلي بإقليم "أرض الصومال"    "مسك" تحتفي بتخريج "قيادات واعدة"    غزال ما ينصادي    رونالدو يُشعل الصحف العالمية بثنائية الأخدود    تتويج أبطال المملكة للمبارزة    قائد الأمن البيئي يتفقد محمية الملك سلمان    300 ألف متطوع في البلديات    فيصل بن بندر يزف 106 من أبناء «إنسان» للحياة الزوجية    وزير الاتصالات يشيد بمشروعات "تحديات الهاكاثون التقني"    معرض «بصمة إبداع» يجمع مدارس الفن    وزير التعليم يزور جامعة حائل    غياب ضعف وتراجع!    جيل الطيبين    حين يغيب الانتماء.. يسقط كل شيء    "الرياض الصحي" يدشّن "ملتقى القيادة والابتكار"    سماعات الأذن.. التلف التدريجي    بعد مواجهات دامية في اللاذقية وطرطوس.. هدوء حذر يسود الساحل السوري    نتنياهو يسعى لخطة بديلة في غزة.. حماس تثق في قدرة ترمب على إرساء السلام    «عريس البراجيل» خلف القضبان    أمانة جدة تتلف 4 أطنان من اللحوم الفاسدة    حكاية وراء كل باب    نقص حاد في المساعدات والمأوى.. والأونروا: الشتاء القاسي يفاقم الكارثة الإنسانية في غزة    ولادة مها عربي جديد بمتنزه القصيم الوطني    7.5 % معدل بطالة السعوديين    المزارع البعلية.. تراث زراعي    رامز جلال يبدأ تصوير برنامجه لرمضان 2026    التقدم الزمني الداخلي    في روشن.. الحزم يعبر الرياض.. الفتح يواصل صحوته والتعاون يصعق النجمة    في كأس أمم أفريقيا بالمغرب.. تونس تسعى لعبور تنزانيا.. ونيجيريا تلاقي أوغندا    رجل الأمن ريان عسيري يروي كواليس الموقف الإنساني في المسجد الحرام    «الهيئة»أصدرت معايير المستفيد الحقيقي.. تعزيز الحوكمة والشفافية لحماية الأوقاف    أندية روشن وأوروبا يتنافسون على نجم دفاع ريال مدريد    افتتاح أول متنزه عالمي بالشرق الأوسط في القدية    التحدث أثناء القيادة يضعف دقة العين    محمد إمام يحسم جدل الأجور    %69 من مساكن المملكة بلا طفايات للحريق و87% بلا أجهزة إنذار    اليوان الرقمي يحفز أسواق العملات الرقمية    نجل مسؤول يقتل والده وينتحر    معارك البيض والدقيق    الدردشة مع ال AI تعمق الأوهام والهذيان    انخفاض حرارة الجسم ومخاطره القلبية    القطرات توقف تنظيم الأنف    التعاون لوصافة دوري روشن بالفوز على النجمة    رهانات وقف النار على غزة بين اختبار المرحلة الثانية وسيناريو التعثر    الهلال والنصر يسيطران على الريشة    «ريان».. عين الرعاية وساعد الأمن    رئاسة أمن الدولة تستضيف التمرين التعبوي السادس لقطاعات قوى الأمن الداخلي "وطن 95"    دعوى فسخ نكاح بسبب انشغال الزوج المفرط بلعبة البلوت    دغدغة المشاعر بين النخوة والإنسانية والتمرد    القيادة تعزي رئيس المجلس الرئاسي الليبي في وفاة رئيس الأركان العامة للجيش الليبي ومرافقيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تايلاند.. حياة تشبه الحلم
نشر في شمس يوم 03 - 10 - 2010

كان ما وقفت عليه في تلك الدولة البعيدة من صور ومواقف وسلوكيات يومية مكثفة كشفا جديدا بالنسبة إلي، ما كنت لأتعرف عليه لولا أنني اختبرته عن قرب.
إنها دعوة لجودة الحياة يقدمها أهل تايلاند لبعضهم ولضيوفهم من مختلف دول العالم عبر حزمة متوالية من السلوكيات الراقية والذوقيات الاجتماعية التي بذلت زمنا طويلا من عمري في القراءة والبحث عنها عبر الجديد من كتب الإدارة والنجاح القادمة إلينا من الغرب.
ما كان مكتوبا في كتب الغرب حول أفضل أساليب العيش للوصول لجودة الحياة، وجدته خيارا قائما وقرارا شمل الأفراد والجماعات بطريقة رائعة وجديرة بالاحترام.
من أول لحظة ينزل فيها السائح إلى مطار بانكوك يقف على سلوكيات رفيعة المستوى وأخلاقيات تعكس المستوى المتقدم في التواصل الإنساني الذي بلغه التايلانديون.
يأتيك الجواب قبل أن تسأل وتأتيك المعلومات حول أفضل طريقة للنجاح في تخليص إجراءات القدوم من موظفات وموظفين تدور أعينهم في قاعة المطار لتلتقط صور الجنسيات الوافدة فتبادر مسرعة بالاهتمام بها، ورعايتها لبلوغ مقصدها في أسرع وقت ممكن.
وبعد أن أنهيت إجراءات المطار، كانت هناك حافلات أجرة تقف بنظام في انتظار القادمين من المطار، وما بين الانتظار وركوب الحافلة بذلنا دقيقة واحدة فقط.
كنا قد اخترنا سلفا وعبر الإنترنت الفندق الذي نود المكوث فيه طوال أيام السفر، وما هي إلا 40 دقيقة حتى دخلنا بهو الفندق الرائع. اصطحبتنا موظفة الاستقبال لترينا إحدى الشقق الفندقية المتوافرة لديهم، وللمرة الأولى وجدت نفسي أوافق على أول فندق أصل إليه في أي بلد ودون أدنى تحفظ. إنه الشعور بالراحة والاطمئنان الذي يتسرب للسائح الباحث عن أماكن ترتقي معاييرها لمستوى الملاءمة والجودة.
كانت الساعة الأولى من الوصول ناجحة بامتياز، فما كنت أقطعه في دول أخرى من زمن للبحث عن مكان مريح وملائم قطعت أقل من ربعه. ولأن التفاؤل من ديننا فقد تسرب إلى نفسي بأن هذا البلد يحترم الإنسان.
لم يخب ظني على الإطلاق وصدقت توقعاتي، بل وافق الواقع أحسن التوقعات، ووجدت نفسي خلال عشرة أيام أعيش في بيئة متناغمة ومنسجمة وكل ما فيها يعكس جوهر روح هذا المجتمع المحب والمتعاون والخلوق: التحية والسلام، الانحناء والابتسامة الصادقة، المبادرة في تقديم الخدمة، الهرولة لتلبية حاجة السائح أمور يتقنها من في الفندق ومن في الشارع وحتى سائقو التاكسي. الجميع في خدمتك والابتسامة العفوية والصادقة تظل رفيقتك مهما مكثت في بانكوك.
أي نوع من البشر هؤلاء، إنهم لا يتجهمون، ولا يرفعون أصواتهم عاليا، يمشون في الطرقات وانحناءة التواضع تلازمهم، كأن الأرض كل الأرض عشب أخضر تحت أقدامهم، يخشون عليه من التلف فلا يكاد أحدهم يمشي إلا منحني الرأس رفيق الخطو دون عجرفة ولا غرور أو اعتداد متطرف بالنفس.
كان السؤال الذي يدور ببالي أي نوع من التربية تلقاها هذا الشعب ليسمو بسلوكه وبمستوى تواصله مع الناس إلى هذه الدرجة الرفيعة؟!
كان أفراد عائلتي يشاطرونني الرأي نفسه، ويرون أن هذه الأخلاق لا تتواجد في مكان واحد وزمان واحد وبنفس الكثافة لدى مجتمعاتنا العربية مع الأسف. ما الذي حل بنا وجعلنا نفتقد تلك الروح الخدومة المعطاء المتوائمة والمنسجمة مع الحياة كما يفعل التايلانديون بمهارة وإتقان؟! ما الذي حل بالعرب وجعلهم خشني الطباع مشدودين للمال ومشغولين بجمعه على حساب استمتاعهم بما لديهم من نعم؟!
إن الشعب التايلاندي أو على الأقل سكان بانكوك سعداء بما هم فيه، ولذلك لا تستعصي عليهم الابتسامة، ولا يسأمون من خدمة بعضهم بعضا أو خدمة الغرباء عن طيب نفس وخاطر. هم دائما في الخدمة، سواء في أماكن الإقامة أم في الأسواق التجارية أم في المستشفيات، فالجودة في التعامل تأتي خيارا أوليا لا يتنازلون عنه على الإطلاق. ففي مستشفياتهم تكتشف معنى الطب الحقيقي لا الطب الزائف.
قاتل الله بعض أصحاب مستشفياتنا الخاصة الذين شوهوا مهنة الطب وأفرغوها من معانيها الكبرى، وحولوا الأطباء لجباة للمال الذي لا يكادون يشبعون منه في ليل أو نهار! أي فرق شاسع وكبير يفصل ما بين ما اختبرته في بانكوك وبين مستشفياتنا الحكومية منها والخاصة؟!
إنه فرق لا يحتسب بالساعات أو الأيام أو الشهور بل يحتسب بالأعوام الضوئية، وقد كنت أكره الكثير من ممارسات الأطباء وطغيانهم غير المبالي بصحة الناس، أما وقد وجدت النقيض الكامل في سلوك أطباء تايلاند، ازددت كرها وامتعاضا من سلوك عدد من أطبائنا ومستشفياتنا الخاصة!
كانت ولا تزال ذاكرتي مثقلة بالعشرات من الصور الكريهة لأطبائنا العرب المدججين بالألقاب والأسماء وكنت بحاجة بعد أعوام من أثقال هذه الذاكرة إلى مصحح بشري يحمل شهادة طب لمعالجة الناس، فكان لي ما أردت إذ أتيح لهذه الذاكرة أن تدون سطورا نظيفة وتطبع بها لقطات راقية لأطباء يلبسون رداء الطبيب لكن الرداء يشرف بهم ويسعد لأنهم هم لابسوه.
الممرضات حالة استثنائية وشريحة مهمة هي شريان العمل في ذلك المستشفى الذي ذكرني بما قرأت عن سلوك الشغالات في خلايا النحل وعن نشاطهن الدؤوب وعملهن المستمر. كأن الذوق هنا يبتسم، بل قد ابتسم واستراح واطمأن واستقر به المقام ولا أدري وقد أنعم الله علي بأجواء حسنت من ذاكرتي، وجددت بها خلايا الثقة بالطب والأطباء هل كنت سأثق يوما بأن ثمة مستقبلا مشرقا للطب خارج عتبات الجامعة ومؤسسات البحث العلمي؟!
لله كم أعطتني هذه التجربة من ثقة كبيرة بمستقبل الإنسان على هذه الأرض وكم ازددت قناعة بأن من صناعة الأمة قرارا جماعيا باختيار السلوك الأفضل والأجدر بالإنسان.
اختار أهل بانكوك أن يعيشوا بسلام وأن ينشروا السلام فيما حولهم، وآثروا ألا يربطوا سلوكهم الرصين بمقدار الدولارات التي تأتيهم في آخر الشهر لأنهم ببساطة عرفوا أن الإنسان هو الذي يعطي القيمة للأشياء وليس العكس.
اختار أهل بانكوك أن يحترموا بعضهم بعضا ويبادروا لتقديم الخدمة والمساعدة فكان لهم ما أرادوا وكان أن جعل الله لهم من أرزاق أهل الخليج نصيبا، فالابتسامة التايلاندية النابعة من القلب، كما قالت لي إحدى الصديقات، تستحق أن تحلق لأجلها الطائرات!.
تكمل تلك الصديقة قائلة: في كل عام ومهما اخترت من بلد للاصطياف، فإن أصدق ابتسامة أراها في الوجوه هي ابتسامة أهل تايلاند، ولذلك لا أتردد أن أقتطع جزءا من أيام السفر في التوجه نحو تايلاند. ولأني اختبرت هذه التجربة فأنا أفهم تماما صدق ما تقول.
في الختام دعوة لأهلنا العرب أن يتصالحوا مع ذواتهم، وأن يتساموا في نظرتهم للحياة والأحياء ولأدوارهم في الخدمة والبناء فلن ترقى أمة دون أخلاق راسخة وشعور صادق بقيمة التعاون والمبادرة والسلوك القويم في صناعة النهضة وبناء الحضارات
مريم النعيمي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.