خلال يوم العيد لاحظت اهتماما جماعيا بالتقاط الصور التذكارية وتداولها فيما بينهم عن طريق الأجهزة. الجميع كان يهيئ كاميرا التصوير التي يقتنيها لمثل هذه المناسبات، أو على الأقل كاميرا الجوال. الجميع كان سعيدا بتمكنه من توثيق تلك اللحظة النادرة في حياته. في الحارة ذاتها التي أبصرت فيها النور، كان أحد إخوتي يحتفظ بكم هائل من صور «عيال الحارة» يوم العيد، وكنا نحتفظ بها، ونطالعها بين فترة وأخرى، ونحن في غاية البهجة بتلك الوثائق الصورية للحظاتنا الجميلة في الحارة أيام العيد. لكن أحد «عيال» الحارة الذين كانت تتضمنهم بعض الصور وهم أطفال كالزهور، جاء ليخبرنا برغبته الصارمة في شطبه من كل الصور التي سمع بأننا نحتفظ بها. ولأن صاحبنا الذي لا أعلم ما علته حينها كان متوترا وحانقا على كل شيء، اضطررنا إلى إعطائه ما أراد وقد كان يحب الظهور في جميع الصور أيام طفولته، ما ضاعف خسارتنا من صور عيال الحارة أيام العيد. قبل بضعة أعوام اتصلت بنا إحدى بنات الرجل الذي كان الصديق الوفي لأبي. ولأن الصديقين قد رحلا عن الدنيا فإن الأمر كان يخص عائلتيهما. حيث وجدت تلك البنت البارة «المتدينة» عددا من الصور القديمة لوالدي وأفراد عائلتي تعود إلى أكثر من 30 عاما، ضمن مقتنيات أبيها الخاصة، مع عدد من الصور لوالدها وعائلتها. وبعد أن أحرقت البنت البارة كل الصور القديمة التي تخصهم، أعطتنا ما يخصنا لنتلفه بطريقتنا، لأن والدينا كما تقول «سيعذّبان في قبريهما بسبب تلك الصور». لكننا وضعناها في «براويز» أنيقة واحتفظنا بها في غرف نومنا ومع أشيائنا الخاصة جدا. للأسف، أن جزءا من ذاكرة المجتمع مفقود، فهو مجتمع غائب أو مغيب لا فرق، عن ثقافتي التدوين والتصوير. وهو كذلك لأن الجيل الذي يمثل شريحة في هذا المجتمع هو جيل حرق الصور وتحطيم أشرطة الأغاني والفيديو بعد المراكز الصيفية ومحاضرة الرعب والترعيب. جيل تفشى في بعضه الالتزام الشكلي «المظهرجي» الشاطح، حتى طغى على الالتزام الحقيقي، إلى أن تحول الطريق المستقيم في ذهنيته إلى: حرق الصور وتحريم الأغاني وإسبال الثوب ولبس العقال.