لم يمض عيد الفطر المبارك على آلاف الجاليات غير المسلمة، المقيمة في الرياض، في عزلة وانعزال. وفيما كان المسلمون يتبادلون التهاني بالعيد السعيد، كانت ساعة الهداية تعلن قدوم مسلم جديد إلى الأفق. هناك في خيمة متواضعة في قلب منطقة البطحاء وسط الرياض، كانت الصورة مغايرة، فالمسلمون الجدد يعيشون نشوة الفرحة بالتخلص من الضلال المبين، ويحثون بعض مرافقيهم من غير المسلمين على سرعة اللحاق بهم، ويدعون لهم بالهداية والتوفيق قبل فوات الأوان. في المخيم تبرز ثلاثة لاءات «لاعنصرية، ولا قبلية، ولا طائفية»، داخلها تتساوى الرؤوس، وتعلو منتشية بما حباها الله من فضله، وتنحني فقط لله الواحد القهار. داخل المخيم يتعلم المسلم الجديد معنى الفرحة للمرة الأولى، ويتابع غير المسلم معنى الأخوة في الله، ويشاهد كيف يؤاخيه المسلم في مشهد بعيدا عن المقابل، الذي لطالما عرفته الديانات الأخرى، فالكل يعمل من أجل الثواب الأعظم من الله عز وجل. احتفل في السعودية أكثر من 20824 مقيما، من الله عليهم باعتناق الإسلام خلال الأشهر الثمانية الماضية، في أول عيد في حياتهم منذ دخولهم في الإسلام، وتعيش تلك الفرحة الجاليات بطريقتهم الخاصة في التعبير عن فرحهم ومشاركتهم مع إخوانهم في الإسلام بمظاهر العيد للمرة الأولى في حياتهم، كما تعد جاليات البطحاء أو كما يسميها البعض عاصمة الإسلام، وجهة العديد من المسلمين الجدد، حيث استطاعت أن تضاعف جهودها في رمضان المبارك في تنظيم رحلات عمرة لأكثر من خمسة آلاف مسلم ومسلمة، بواقع أربع رحلات يوميا. وكان دور مكتب الدعوة في البطحاء بارزا في إقامة مظاهر العيد الإسلامي، الذي اعتبره مدير الجاليات في البطحاء أنه: «أصبح مقصدا حتى لغير المسلمين وأسرهم في أيام عيد الفطر المبارك». تبادل التهاني وعلى الصعيد الشخصي للمسلمين الجدد، غمرت السعادة الجميع، وهم يتبادلون التهاني بمناسة العيد السعيد، خاصة الذين أدركوا اللحظات الأخيرة من شهر رمضان المبارك، ليجدوا أنفسهم وقد فازوا بالانضمام لإخوانهم الذين سبقوهم في الإسلام. أحد المسلمين الجدد ويدعى قبل الإسلام، الفلبيني ميكائيل، روى بلغة عربية ضعيفة جدا، سعادته باعتناقه الإسلام: «أنا اليوم سعيد جدا بهذا العيد المبارك، الذي انتظرته طويلا، حيث بفضل الله أديت فريضة العمرة في رمضان مع مكتب الجاليات في البطحاء، وشاهدت الحرم المكي وشربت من زمزم، وما زلت أتوق كل يوم أن أعيش لحظة الفرح في يوم العيد، واستعددت مبكرا بلبس الجديد، وتعطرت وخرجت مع إخواني لأداء صلاة العيد، كما لا أخفي أنني أجهشت بالبكاء عندما شاهدت المسلمين يسيرون زرافات نحو مصلى العيد، وأنا أسير معهم فدعوت الله أن نسير جميعا إلى جنات النعيم، اليوم ولدت من جديد ولا شيء غير الفرح الذي ينبعث من قلبي بدخولي الإسلام». قبل الخسارة ولا يختلف عن مظاهر الفرح زميله الفلبيني الذي دخل في الإسلام، مع إشراقة يوم العيد، الذي وجد نفسه وحيدا على ديانته القديمة، فيما زملاؤه اعتنقوا الإسلام بعد اقتناعهم بسماحته، وأنه دين الفطرة، متندما على التأخر في اعتناق الإسلام طوال الأعوام الماضية: «أحمد الله أن دخلت الإسلام قبل موتي، لأنني كنت سأخسر كثيرا إن لم أعد لدين الحق، ولطالما دعاني زملائي في رمضان، لكن الهداية من الله عز وجل، وفي أول يوم في عيد الفطر المبارك، وجدت في داخلي الرغبة التامة في اعتناق الإسلام، وكأنها إشراقة اليوم الأول في حياتي، حيث سارعت لزملائي وأبلغتهم رغبتي في ذلك، الذين رحبوا بي، ورافقتهم إلى داخل المخيم، حيث أعلنت أمام الملأ العودة إلى دين الحق، وبصراحة لا أعرف سر الشعور الداخلي الذي حرمني طويلا من الدخول في الإسلام، لكنها هداية الله عز وجل». الخروج عن الفطرة واعتبر مسلم جديد آخر، تحفظ على اسمه القديم، وفضل مناداته محمد إلى حين اختيار الاسم الجديد بعد إسلامه، ضيقه بالضلال، ربما سببا مباشرا في اعتناق الإسلام، وذلك بعد فضل الله تعالى، ويرى الفلبيني عمر أنه: «ربما كان الهروب مما يخالف الفطرة التي فطر الله الإنسان عليها، سببا في سلوك طريق الحق، إذ دخلت الإسلام بعد تأمل طويل في قراءة الكتب المترجمة بعد هدية من شاب سعودي يعمل معي ممرضا في المستشفى، وقررت في رمضان الماضي أن أعلن إسلامي، وهأنذا أحضر عيد المسلمين، وأشاركهم الفرحة والسعادة الغامرة بهذه المناسبة السعيدة، ونحن على دين واحد، وأجمل شيء في العيد أنك تحس بالسعادة تتصاعد من قلبك إلى السماء، دون أن تحتاج إلى مساعد، ففي أعياد الديانات الأخرى يتعاطون المنكرات شربا ورقصا، فيضيق الصدر، وترتفع وتيرة الحزن بعد انقضاء المناسبة، فيما في الدين الإسلامي ترتفع وتيرة الفرحة يوما بعد يوم، لأن العمل إرضاء لله تعالى وتزكية للنفوس، ويشعر الإنسان المسلم بأنه حبذا لو كانت أيامه كلها أعيادا». برامج وفعاليات لكن مكتب الدعوة في البطحاء الذي يقف كل سنة على قدم وساق في إطار التجهيزات لأيام عيد الفطر المبارك من فعاليات وبرامج ترفيه، يحرص على أن يقدم لزائري الخيمة التي تقع في قلب حي البطحاء، العديد من البرامج المفيدة والترفيهية، حسب تأكيدات مدير جاليات البطحاء الشيخ نوح القرين: «على الرغم من قلة الإمكانيات إلا أنه بفضل الله نرى الإنجازات تتحقق كل يوم بل كل ساعة، ونحمد الله أن اعتنق الإسلام حتى الآن وخلال تسعة أشهر ماضية أكثر 20824 شخصا، عبر 39 مكتبا للجاليات منتشرة في السعودية». صورة ناصعة وبين أن مكاتب الجاليات والدعوة والإرشاد في المملكة تقدم الكثير من خدمة الوافدين بتقديم صورة ناصعة عن سماحة الإسلام، وتسير مكاتب الدعوة في السعودية على أهدافها الواضحة في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام وتعريفهم به، وإيجاد أرضية صلبة لحديثي العهد بالإسلام وبناء أسس متينة من العقيدة السليمة، تعليم حديثي الإسلام ما يلزمهم من أمور دينهم والدعوة إلى ترك الضلالات والبدع والخرافات الموجودة عند بعض المسلمين الوافدين، وتعميق الصلات والروابط بين حديثي الإسلام والمسلمين أصلا، ومواصلة العناية بحديثي الإسلام وتوجيههم عند عودتهم لبلادهم إلى الجمعيات والمراكز الإسلامية الموثوقة وترتيب وتنسيق الدروس والمحاضرات والدورات في المنطقة باللغة العربية. مواسم إيمانية وفي ظل اختلاط مشاعر المسلمين الجدد الذين يشهدون للمرة الأولى عيدا مغايرا لما اعتادوه طوال حياتهم، يرى القرين أن: «المواسم الإيمانية كالحج ورمضان، والعيدين نلحظ اهتماما من قبل غير المسلمين في توافدهم على اعتناق الدين الإسلامي، ويتزايد عدد المقبلين على ذلك خاصة في رمضان، حيث يتضاعف العدد مئات المرات، ولا أبالغ إن قلت أصبحنا نحسب عدد المسلمين بالساعات، وفي أول أيام العيد اعتنق الإسلام أكثر من 30 شخصا ودخلوا في دين الله، فيما يعمل المكتب منذ وقت مبكر على الترتيب للأعياد بما يرتقي للتعريف بسماحة الإسلام، فتتم العناية بالعيدين بالتجهيز المسبق في إعداد الفعاليات والبرامج التي ترسم البسمة والسرور على المسلمين، وغير المسلمين، لذا خصص مكتب الدعوة في البطحاء في عادته السنوية، خمسة أيام لعيد الفطر المبارك، يحرص خلالها على تكثيف النشاطات الترفيهية من مسابقات وجوائز ثمينة، تصل تكلفتها إلى أكثر من 100 ألف ريال، بدعم متواضع من قبل بعض التجار، رغم أملنا في الوصول إلى رقم أكبر، حيث إننا نطمح في المزيد من البذل ومشاركة القطاع الخاص في تبني العديد من المشاريع التي تخدم المسلمين الجدد وتساهم في دعوة غير المسلمين». خيمة الفعاليات وأشار القرين إلى أنه: «كل عام يتوافد مئات الوافدين، بتعدد جنسياتهم ودياناتهم مع أسرهم في أول أيام العيد، إلى خيمة الفعاليات في جاليات البطحاء في وقت مبكر، وكما أننا نحرج دائما، لعدم توفر المكان المناسب الذي يحتضن العدد المتنامي من الحضور، سنة بعد أخرى، إلى الدرجة التي يظل بعض الحضور منتظرا وقوفا في الخارج، ومع ذلك تكفينا أجمل المشاهد التي نتابعها، والمتمثلة في مشاهدة ملامح الفرح والسرور على محيا ذاك المسن الذي هداه الله تعالى، واعتنق الإسلام في عمر متأخر، ليقفز وقد علت الابتسامة على محياه كالطفل فرحا مسرورا، بحضوره أول عيد في الإسلام في حياته، فتجد الابتسامة عالية وروح المرح والدعابة حاضرة، ومشاركته مع إخوانه في المعايدة التي يقيمها المكتب في أيام عيد الفطر المبارك بعد صلاة المغرب يوميا، حيث يأتي كل رجل وأسرته بما يتيسر لهم من المأكولات الآسيوية المتنوعة الفلبينية -الإندونيسية – الهندية، وغيرها من الجنسيات» .