زاهدا إلى حد الكفاف كان الشيخ الراحل عبدالرحمن بن ناصر بن براك بن إبراهيم البراك، أدرك باكرا حديث النفس الأمارة وحبها للظهور، فلجمها بأدب قرآني عميق، فكان الزاهد الورع التقي، الذي يفيض تواضعا وبساطة في النفس، مع سعة في العلم والفقه، حتى كان أحد البحور الراسخة في العقيدة، العارف بتمام الأخلاق وجميل الفضائل والخصال، صاحب الدراية والمعرفة بكلام السلف والخلف، وله في ذلك معلوماته الغزيرة في جميع أصناف العلوم، كما له العقل الراجح، والحكمة التي لا تخالطها فتن النفوس والدنيا. كان الشيخ الراحل صاحب منهج خاص به في العبادة، إذ كان يختم القرآن كل عشرة أيام، ولا يترك صيام الاثنين والخميس إلا لعارض، وكذا قيام الليل، وكان شديد البر بأمه حتى انه ترك الحج عدة أعوام مراعاة لها، ويستأذنها في كل أمر حتى في خروجه من البيت، بل ويستأذنها في أعظم من ذلك. من بلدة البكيرية بمنطقة القصيم جاء الشيخ إلى الدنيا في محيط من العلم والدرس، وتوفي والده وهو صغير، وتولت والدته تربيته فربته خير تربية، وقدر الله أن يصاب بمرض تسبب في ذهاب بصره في التاسعة من عمره. طلب العلم صغيرا، وحفظ القرآن وعمره اثنا عشر عاما، وقدر له أن يرحل إلى مكة، وبقي بها عدة أعوام، حيث قرأ فيها على الشيخ عبدالله بن محمد الخليفي إمام المسجد الحرام، وهناك التقى برجل فاضل من كبار تلاميذ العلامة محمد بن إبراهيم وهو الشيخ صالح بن حسين العراقي، وحفظ القرآن العظيم، وكتاب بلوغ المرام، وكتاب التوحيد، وكشف الشبهات، والأصول الثلاثة، وشروط الصلاة، والآجرومية، وقطر الندى، وألفية ابن مالك وغيرها. ولسعة علمه وغزارته وفيوض حكمته وكمال عقله عمل في كثير من أعمال الشأن العام، وبعد وفاة الشيخ ابن باز طلب منه سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ أن يكون عضو إفتاء، وألح عليه في ذلك فامتنع، وآثر الانقطاع للتدريس في مسجده. وقد جلس الشيخ للتعليم في مسجده الذي يتولى إمامته، مسجد الخليفي بحي الفاروق، ومعظم دروسه فيه، وكذلك التدريس في بيته مع بعض خاصة طلابه، وله دروس في مساجد أخرى، إضافة إلى مشاركاته الكثيرة في الدورات العلمية المكثفة التي تقام في الصيف، وإلقائه للمحاضرات في مدينة الرياض، وغيرها من مناطق المملكة، وبلغت دروسه الأسبوعية أكثر من عشرين درسا في علوم الشريعة المختلفة.