أقر الشيخ الدكتور عبدالله علي بصفر، الأمين العام للهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم، بوقوع بعض الأئمة في أخطاء أثناء إمامتهم للصلاة. وقال: «ينبغي على هؤلاء أن يتعلموا أو أن يتركوا الإمامة لمن هم أولى منهم بذلك». واعتبر بصفر أن افتتان بعض النساء بصوت الإمام وصورته، يعكس مرضا لديهن ويدل على أنهن فارغات من الداخل، مشيرا الى أن علاج ذلك يتمثل في مراجعة الذات وترسيخ الإيمان في القلوب ومحبة الله ورسوله. ودعا بصفر في حوار خص به «شمس» الأئمة إلى مراعاة ظروف من يصلون خلفهم، وعليهم ألا يطيلوا إلا بموافقة كل من في المسجد، كما دعا المسلمين إلى استغلال رمضان لختم القرآن الكريم، باعتبار أن هذا الشهر فرصة قد لا تعوض. وفيما يلي نص الحوار: ما مجالات عمل الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم؟ هي إحدى هيئات رابطة العالم الإسلامي المتخصصة في تعليم القرآن الكريم وعلومه. والهيئة بدأت منذ عشرة أعوام، وهي تعمل في أكثر من 60 دولة في العالم، وحققت في الأعوام الماضية عددا من الإنجازات، كان من أبرزها تخريح أكثر من 31 ألف حافظ وحافظة لكامل القرآن. كم عدد الحلقات التي ترعونها؟ وما أبرز الفعاليات التي تقيمونها؟ نرعى 100 حلقة وخلوة من حيث الكسوة ومكافآت الحفاظ والمصاحف، إضافة إلى إقامة المسابقات القرآنية والعديد من الملتقيات، كما عينا 5175 إماما لصلاة التراويح، وقدمنا للحفظة منحا، علما بأن عدد المعاهد التي تتبع الهيئة 72 معهدا نموذجيا. هل اهتمامكم منصب على المسلمين خارج السعودية فقط؟ نعم.. نطاق عملنا محدد بخارج السعودية، وكما تعرف فإنه توجد داخل المملكة جمعيات لتحفيظ القرآن الكريم تشرف عليها وزارة الشؤون الإسلامية. بالنسبة إلى مشروع إرسال القراء لخارج السعودية لإمامة الناس في رمضان.. ما الرؤية التي تحكمه؟ بعض المراكز الإسلامية في أوروبا وآسيا تحتاج إلى أئمة خلال شهر رمضان، فتتقدم بطلب إلينا، تبرز فيه حاجتها، ونحن نراها فرصة لتغذيتهم بالأئمة المتميزين من حيث الصوت والفقه الشرعي ليعطوا صورة طيبة عن المملكة في الخارج. لو انتقلنا إلى الوضع داخل المملكة، نلاحظ أيضا أن الطلب يكثر في رمضان على القراء أصحاب الأصوات الحسنة، فهل مسألة الصوت من الشروط المطلوبة في من يصلح للإمامة؟ أئمة المسجد المعتمدون رسميا في مساجدهم هم الذين يصلون فيها، وفي الغالب تكون أصواتهم حسنة، وهم من المتمكنين شرعيا، والناس -كما نعلم- تحب الصوت الحسن، فتتجه للصلاة عنده رغبة في زيادة الخشوع. لكن كثيرا من هؤلاء الأئمة يستعينون ببعض الحفاظ لمساعدتهم. فهل هناك ضابط لهذه الاستعانة؟ الشروط نفسها التي نحتاج إليها في الإمام، يجب توافرها في هؤلاء المساعدين، من حيث إتقان قراءة القرآن والتمكن الشرعي من أحكام الصلاة، إضافة إلى حسن التعامل مع الناس، علما بأنه يتم اختبارهم بشكل رسمي ليكونوا مؤهلين لإمامة الناس. يقع بعض الحفاظ في أخطاء أثناء التلاوة التجويدية، وبعضها في القراءة نفسها.. ما تعليقك؟ فعلا.. توجد حالات لبعض القراء الذين يخطئون أثناء الصلاة، وينبغي على هؤلاء أن يتعلموا، أو أن يتركوا الإمامة لمن هم أولى، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله. وقد يوجد هؤلاء القراء في مساجد نائية ليست قريبة من الناس ولا يتوافر فيها أئمة أكفاء، وأولى بهذه المساجد التوجه إلى جمعية تحفيظ القرآن الكريم لطلب بعض الحفاظ لكتاب الله من أجل إمامة الناس في رمضان. ونحن في جمعية تحفيظ القرآن الكريم نرشح كثيرا من الشباب الحفاظ لأداء صلاة التراويح ومساعدة بعض الأئمة الذين يحتاجون، وظننا أن هؤلاء الحفاظ يجب استثمارهم في هذه الحالات والاستفادة بحفظهم للقرآن من خلال الصلاة اليومية بالناس. وأهم من ذلك كله هو إتقان القراءة. وإذا أخطأ الحافظ؟ عليه أن يتدرب ويتعلم، فليس عيبا أن يتعلم الإنسان ليحصل على شهادة علمية أو يحضر دورة قرآنية يحصل من خلالها على نتائج تمكنه من إمامة الناس بالوجه الصحيح. فالعيب أن يخطئ الإمام ويستمر على خطئه، بل إن بعضهم يعتقد أنه تجاوز مرحلة التعليم، وهذا من الخطأ. بعض القراء يطيلون في الصلاة وبعضهم الآخر يقصر جدا.. ما الحل؟ الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «من أم المسلمين فليخفف، فإذا صلى وحده فليطل ما شاء». هذا حديث واضح وصريح، الإنسان إذا صلى جماعة بالناس، فالمنهج النبوي هو التخفيف، لأن في الناس الكبير والمريض وذا الحاجة، فينبغي على الأئمة مراعاة الناس وأن يحتذوا منهج الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام. والسنة أن يصلي الإمام ثماني ركعات لا يطيل فيها لأن الناس ترغب في الصلاة وتحب أن تكملها للأخير. وأغلب الأئمة صلاتهم مقبولة ومتوسطة، إلا أن هناك القليل ممن يطيلون، وهذا قد تكون حجته أن المصلين هم الذين يرغبون في التطويل، فالإمام أدرى بمسجده والمصلين. حتى إذا أراد المصلون التطويل.. هل يترك للإمام القرار؟ إذا كان كل المصلين في المسجد يحبون الإطالة، فلا أعتقد أن هناك حرجا، لكن إذا كان في المسجد الكبير والمريض والمحتاج فينبغي على الإمام مراعاة هؤلاء الناس. بعضهم يقول: إن التخفيف لا يساعد الإمام على ختم القرآن خلال الشهر؟ بلا شك أن ختم القرآن هو الأولى، وهذه نعمة قد لا تتكرر، ولكن إذا كان من الصعب على الإمام أن يقرأ جزءا كاملا في اليوم، فلا حرج أن يصلي بنصف جزء ويكمل الباقي في صلاة التهجد، فيكون بذلك قد خفف على المصلين من ناحية واستطاع أن يختم القرآن من ناحية أخرى. بعض صغار السن ممن تتراوح أعمارهم بين «12 و 13 عاما» يحفظون كتاب الله ويقرؤونه بالشكل الصحيح، هل يصلح أن يؤم هؤلاء الناس؟ طبعا يصلحون.. إذا كان الشخص فوق سن التمييز «كما ذكرت في الأعمار» وكان هو الأحفظ وأفضل من غيره في المسجد، فلا مانع من إمامته للناس، وهناك أدلة شرعية على ذلك، لكن هذا لا يتم إلا في الضرورة فقط. بعض المصلين يشكون أحيانا من سلوكيات مرفوضة يقوم بها أئمتهم؟ هذا الأمر ليس ملحوظا بكثرة، ف «كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون»، إن كان الإنسان يدرك موقف الناس منه، فالأولى ألا يتقدم للإمامة، لكن إذا كان المصلون ليس لديهم إلا هذا الإمام، فلعل الله سبحانه وتعالى يغفر له ويهديه ويصلح حاله بهذه الصلاة التي يصلي بها. أمثال هؤلاء إذا استمروا على الطاعة فقد تصيبهم دعوة أحد المصلين بالصلاح والهداية فيستجيب الله دعاءه ويصلح حاله. ما الأشياء التي ينبغي على الأئمة مراعاتها؟ وبماذا تنصحهم؟ أحثهم على مخاطبة الناس بين الفترة والأخرى بكلمات توجيهية، لأن كثيرا من الناس لا يأتون للمسجد إلا في رمضان، فهذه فرصة للاستفادة والتعلم، مع مراعاة الحكمة واللطف واللين، فكثير من الناس يريد من يوضح له ويبسط له، حتى لو كان الحديث خمس دقائق فقط، فليس المطلوب إقامة محاضرات. وبلا شك أنه يجب على الإمام أن يخشع في القراءة وأن يقرأ من قلبه ويتأمل في الآيات ويتخيل المشاهد العظيمة ليوم القيامة. جمال الصوت هبة من الله عز وجل، ولكنه قد يسبب غرورا للقارئ، أو افتتان بعض النساء بجمال صوته، وبعضهن أيضا بجمال صورته؟ الإمام مثل غيره من البشر، فأنصح الأئمة خصوصا من من الله عليهم بجمال الصوت ألا يغتروا، فهذه نعمة من الله أعطاهم إياها ويستطيع أن يسحبها منهم متى شاء، ولذلك على القارئ ألا يتكبر أو يغتر، وإنما يتواضع لله ويقول: يا رب هذه منك وإليك، ولا يحرم نفسه من الأجر لأن الغرور يقود إلى الرياء، والعياذ بالله. وأما جمال الصوت والفتنة فلا أعتقد أن هذه ظاهرة.. وإذا أعجب الإنسان بصوت أحد أو بشكله فهذا مرض سببه الفراغ الذي يعيشه بعض الناس وبعدهم عن الله عز وجل، بحيث يصبح القلب مرتعا لأي شيء يصادفه أمامه، وهذا المرض ليس بسبب الأئمة أو غيرهم إنما المشكلة في الطرف الآخر، فعليه أن يراجع نفسه وأن يملأ قلبه بمحبة الله سبحانه وتعالى ومحبة رسوله، ولا يتأثر بالصور أو الأصوات، وأما عن الأئمة ومن يحملون أصواتا رائعة فعليهم أن يشكروا الله عز وجل على هذه النعم، وعلى الإنسان أن يحصن نفسه. هجر القرآن في غير رمضان أمر وارد.. بعض الناس أصبح يهجره حتى في رمضان ولا يستطيع ختمه ولو لمرة واحدة.. ما رأيك؟ «لا حول ولا قوة إلا بالله»، هذا حاصل للأسف الشديد ونحن نقول لهؤلاء دائما: قليل دائم خير من كثير منقطع، فلو قرأ الإنسان في غير رمضان صفحة واحدة كل يوم فسيختم القرآن مرة في السنة.. لا أعتقد أن هذا الأمر صعب، لكن الشيطان يقاوم الإنسان ويمنعه ويجعله يتخيل أن صفحة واحدة كأنها مجلد كامل، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: «من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين»، فعلى الأقل يقرأ صفحة واحدة كل يوم. أما في شهر رمضان فينبغي على الإنسان أن يدرب نفسه ويبعد عنه وساوس الشيطان، فكلها أوهام، فلو كسر الحاجز سيرى أن الأمر هين جدا، فعليه أن يبدأ بالتدرج ليصل في نهاية المطاف إلى ختم القرآن، فالنفس أمارة بالسوء، وهي التي تورد الإنسان المهالك .