قد تضيق الحياة ببعضنا أو نتعرض لأزمات أسرية أو نفسية تدفعنا إلى حلول غير منطقية، ذلك بالنسبة إلى الشباب، أما الفتيات فأيا كانت المنغصات لا يمكنهن تجاوزها بالهروب الذي يضاعف أزماتهن ويعقدها أكثر، غير أنه في حالات الأسر التي تشهد تصدعات في العلاقة بين الأبوين تزداد حالات الهروب مع افتقاد الرعاية والاهتمام اللازم بمعالجة أزماتهن ومشكلاتهن الشخصية أو الأسرية ويلجأ بعضهن لبعض أشكال الإدمان كهروب إضافي من أزماتهن. الاختصاصية النفسية والمتخصصة في علاج الإدمان الدكتورة شيماء الدويري تتحدث عن علاج حالات فتيات من إدمان المخدرات نتيجة لهروبهن من منازلهن «بات هروب الفتيات من المنزل مشكلة العصر، حيث تخرج من أدب النعومة إلى حياة القسوة وتدمير الذات، فالنظرة الاحتقارية لمرتكبة الجريمة التي وقعت فيها نتيجة تفريط من أسرتها وعدم شعورها بالأمان والاستقرار الأسري والحب والحنان، وكون المجتمع ينظر لها فاسقة ومنحرفة يساعد الشيطان على استمرار حالة الانحراف، ولذلك فلا بد من احتضانها ومحاولة تغيير واقعها بيسر دون توبيخ وتعنيف، وعلاج هذه الفئة يحتاج إلى شعورها بالأمان ومداواة جراحها وإعادة أجواء الطمأنينة بجلسات متكررة، وهكذا نكون قد حققنا علاجا نفسيا روحيا أكثر من علاج إدمانهن، وإذا فكرت البنت في قرارة نفسها أن تتخلى عن إدمانها وتبتعد عنه فستبتعد تلقائيا، فما من شيء يبقى في هذا العالم دون تغير». انحراف واضطراب وعن إدمان الفتيات وما إذا كان نوعا من الهروب من واقعهن الأسري، توضح الدويري: « تعاطي الفتاة المخدرات طريق لانحرافها وبعدها عن أهلها، والسبب تفكك أسري، فكلما كانت الفتاة بعيدة عن أعين أهلها فهي صيد سهل يقع في شباك الانحراف ليس حبا فيه أو بإرادتها، فالآثار النفسية التي يخلفها التفكك الأسري قاسية في حياتها فيجعلها في حالة تمزق من الداخل، وتعيش مشاعر متناقضة تجعلها تتمزق داخليا، وهذه الحالة تتطور مع مرور الوقت وتؤدي إلى شباك الانحراف وهروبها من المنزل والإدمان حتى تقلل من إحساسها بالاضطراب أو العار تجاه ذاتها، وهذا ردة فعل مبالغة للتعبير عن انتقامها من نفسها وأهلها، وبهذا ينتشر إدمان المخدرات والانغماس في علاقات غير شرعية، ولذلك «أيها القبطان ليس في المركب ثقب إنما أنت الثقب» عبارة أوجهها لكل أب». إهمال أسري وتعرض الدويري قصة واقعية لفتاة، وهي تجربة مريرة في حياة بعض الفتيات تصل إلى تدمير الرغبة في الحياة، «اخترت لتجربة هذه الفتاة شعارا يحمل اسم «أيها القبطان ليس بالمركب ثقب إنما أنت الثقب» فهي فتاة في عمر الزهور تبلغ من العمر «24» عاما لجأت إلي، وتواصلت معها فسمعت القصة كاملة وعلمت أن هذه البنت كانت تعيش مع عائلتها في استقرار ولديها من الإخوان اثنان، تعرف والدها على فتاة في عمرها فابتدأت أوضاعهم العائلية في تدهور إلى أن طلق أمها بلا سبب معقول فرحلت الأم وتركت الفتاة وإخوانها الاثنين، وبعد مدة قصيرة من رحيل الأم بدأت معاناة الفتاة في بيت والدها وأهملت دراستها، وكان أمرها غريبا ومحيرا ومنظرها يقطّع القلب، كما أن معاناتها تفوق التصور ولا حل لمشكلتها سوى بالمعجزة الربانية، ولكنها تحكي قصة غريبة لسنين عاشتها فلم يعد في حياتها سوى معنى واحد فقط دموع تلو دموع، تحاول أن تبلل جفاء الحياة، فاتجهت للطريق المعروف، إدمان المخدرات، والسهرات والعلاقات غير الشرعية وعرض كامل جسدها، فعندما وعيت على الدنيا وجدت نفسها تعيش في أسرة متماسكة واستقرار أسري أمكنها من التفوق في دراستها، ولكن بعد طلاق والدتها اضطربت واستمرت إلى رجوع المنزل متأخرة وتجد المشكلات من والدها فقررت الرحيل وفعلا هربت من المنزل، واتجهت إلى الشارع دون أن تعلم ما يحمله من أسرار كثيرة وقصص أكثر، وكانت تفعل ذلك انتقاما من نفسها لكي تجلب العار لوالدها، أيضا حاولت الانتحار في العديد من المرات، وكانت تقدم على ذلك لكنها لم تتمكن، وعاشت متشردة لمدة سنة وستة أشهر ومتورطة في الإدمان والعلاقات وغيره». علاج نفسي وتضيف: «كانت الفتاة تردد بعد كل عبارة «حسبنا الله ونعم الوكيل» أما أنا فلم أجد الدموع ولم أجد شيئا أقوله وبقيت كالمذهولة فبعد الانتهاء استطعت أن أشخص حالة البنت: الاضطرابات التي عاشتها البنت طول هذه الفترة وانزلاقها في شباك الانحراف والإدمان ردة فعل مبالغة للتعبير عن انتقامها من والدها خصوصا فقد ترك بنفسها الاضطراب آثارا سلبية يصعب معالجتها، فكان علاج البنت عبر ثلاث مراحل والمرحلة التي ساعدتني في علاجها هي إفصاحها وصراحتها فصنعنا لها حماية وأوقفنا الشعار الذي تعودتم عليه «إلى من نمد أيدينا؟» إلينا وسنأخذ بأيديكم، وهذه القصة فيها عبرة، فالباب مفتوح والأمل موجود، حيث كانت أول مرحلة في علاجها شعورها بالأمان والارتياح النفسي الذي ساعدني أكثر رغبتها في التغيير وكان هذا عبر جلسات نفسية فردية سرية، ومن ثم العلاج الدوائي للتقليل من حد الاكتئاب والاضطرابات لديها، والمرحلة الثالثة اندماجها في الأعمال التطوعية وسعيها لإكمال دراستها وبناء ثقتها بنفسها».