استيقظت السيدة لوتسي وتناولت إفطارها في بوفيه الأمانة المجاورة لمنزلها في إيطاليا، وحين كانت تهم بمغادرة مدرسة أبنائها بعد أن أوصلتهم لمحت الصليب معلقا على واجهة المدرسة، وهذا ليس بالأمر الغريب، فأغلب المدراس وخصوصا الابتدائية بها صليب، لكن السيدة، وهي من أصول دنمركية، مؤمنة بحيادية العلم، فالمدرسة تستقطب طلابا من مختلف الأديان والأفكار والعرقيات. لذلك ذهبت بعد أيام الى محكمة المدينة لتتقدم بقضية احتجاج على تعليق الصليب في المدرسة، لكن القضاء الإيطالي كله رفض القضية لأنه يرى أن الصليب أكثر من مجرد رمز ديني، ولم تتوقف السيدة عند هذا الحد، بل ذهبت إلى المحكمة الأوروبية ليصدر القرار نهاية العام الماضي بوجوب إزالة الصلبان من المدارس لأن هذا يتعارض مع حرية الأديان والتعليم، ولتقف إيطاليا وعشر دول أوروبية لتستأنف القضية. إيطاليا منذ عام 1984 لم تعد فيها الكاثولوكية ديانة رسمية للدولة، وقرار تعليق الصلبان قديم منذ العهد الفاشي، والصليب لدى الإيطاليين أعمق رمز تراثي وديني مقدس، أو هو من أهم الخطوط الحمراء حتى لدى اللادينيين منهم، وبعد قرار الإزالة ظهرت موجة استنكار من الفاتيكان واليمين الإيطالي وحتى المعتدلين وأطياف من اليسار كانوا في زمرة المحتجين بسبب تراثية وتاريخية الصليب. لكن السؤال هنا: هل قيل عنها: أنها تغريبية أو محاربة للقيم والعادات والدين أو مجاهرة بالمعصية؟ السيدة مارست الحرية المسؤولة بكل ما تعنيه الكلمة ولا يهمها إن كان القرار في صالح المسلمين، العدو القديم للفاتيكان والجديد لبلدها الأصلي الدنمرك، بقدر ما أهمها الجانب الأخلاقي للتعليم الذي يحصل عليه أبناؤها. حين يكون هناك فضاء للحرية وطريق واضح للعدالة يعرفه ويمارسه كل مواطن، سننجح، تخيلت كثيرا حكاية هذه السيدة في الدول العربية، تخيلتها بنهايات مخجلة.