تصالحت مؤخرا مع «فوبيا المرتفعات» التي تصيبني كلما زرت مكانا شاهقا، بعد أن سطرت قائمة عن أبرز مخاوف المشاهير، فالمهاتما غاندي كان يخشى الظلام، بينما كان هتلر وتيتو وريجان يعانون فوبيا الأماكن المغلقة! والرئيس معمر القذافي تجاوز خوفه بأن اخترع حلا مناسبا فأصبح يبقى في خيم بدوية في الهواء حتى عندما يسافر. وقد سرت الفوبيا مؤخرا في الشعوب متخذة مفاهيم عديدة، حيث يتهم العرب الغرب بأنه يعانى من «الإسلاموفوبيا»، بينما يتهم الغرب العرب بأنه يعاني من «التغييرفوبيا». ولكن ما أجزم بأن الجميع يعاني منه بحيث يحصرنا جميعا في جمعية واحدة هي «الفوبيا من الحب». فمنذ سنوات أثار عنوان محاضرة للشيخ إبراهيم الدويش جدلا لعنونته «ببحر الحب»! مما عاد بالذاكرة إلى أيام الأربعينيات عندما كان إحسان عبدالقدوس يقدم برنامجا إذاعيا ليليا ناجحا يختمه بعبارة «تصبحون على حب» التي أثارت هرجا ومرجا بين الناس، فطالبه «عبدالناصر» بتغييرها، لكنه رفض وترك البرنامج. فالحساسية التي تثيرها هذه الكلمة باتت تحكم سلوكنا، إذ حرمت الأم من إظهار مخزونها العاطفي لأبنائها، والزوج لزوجته، والبنت لصديقتها، وهو جمود مزيف للمشاعر نرتديه مع نسمات الصباح ونخلعه حين نطفئ المصباح! هذه الفوبيا من الحب دفعت بعض المتطوعين الأجانب للتعبير عن مخاوفهم بحمل لافتات كتب عليها «FREE HUGS» التي تعني «عناقات مجانية»، وهي محاولة لنشر الحميمية التي بتنا نفتقدها مع أسرنا، والمشهد مصور على موقع يوتيوب الشهير وبلغ عدد مشاهديه 50 مليونا حتى الآن. وقد عاد هذا الهرج بعد أن علق زوج سعودي لافتة قماشية على جسر للمشاة في طريق كورنيش مدينة الخبر، تضمنت طلبه أن تصفح عنه زوجته، مؤكدا تمسكه بها بعد محاولات يائسة بذلها لإعادة المياه إلى مجاريها مع شريكة حياته. وفعل الشيء نفسه زوج أردني ذهب باللافتة إلى مقر عمل زوجته وسط حضور عدد من وسائل الإعلام لتغطي هذا الاعتذار غير المعتاد في الأردن. هذا التقليد الذكوري تحدث عنه الكاتب جابرييل ماركيز الكولومبي، عندما استيقظ ذات صباح ليجد إعلانا ضخما أمام بيته في مكسيكو مكتوبا ببخاخ لا يمحى حبره، وكان الكاتب انتهى للتو من قراءة أخبار الصحف البائسة التي شبهها بتناول زجاجة كاملة من الخروع على الريق! نظر ماركيز إلى النافذة بعد أن تلبسته الأحداث المريرة التي تدور في العالم، لكنه شعر بنفحة من العزاء الجميل حين اكتشف أن هناك شخصا يعيش بالقرب من بيته ولا مشكلة له في هذا العالم سوى: «بيجي.. أعطني قبلة!» كما هو مكتوب في اللوحة. فوزية الخليوي