شكلت المرأة عبر السنين ثالوثا مع العطر تربعت على هرمه الفتنة، وكان لنساء بني إسرائيل السبق في ابتكارات ماكرة للحيازة على قلب الرجل وإثارة انتباهه! فجاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن امرأة من بني إسرائيل قصيرة تمشي مع امرأتين طويلتين، فاتخذت رجلين من خشب، وخاتما من ذهب مغلق مطبق، ثم حشته مسكا، فمرّت بين المرأتين فلم يعرفوها، فقالت بيدها هكذا «يعني إذا مرت بالمجلس حركته فنفح ريحه»!. ومن المحال أن يذكر العطر الآن دون الإشارة إلى رواية باتريك زوسكند «العطر» التي تتلخص حكايتها في ذلك الرجل «غرنوي» الذي ولد بلا رائحة وكان يمتلك حاسة الشم القوية والمعجزة، يحفظ جميع الروائح، يمزج بينها، يعرف تأثيرها في الناس. وكما هو العطر مزيج من عدة تركيبات كانت هذه الرواية المبدعة مزيجا من الخيال والواقع والجمال والقبح والغنى والفقر والقرف والعطر. وإذا أردنا الولوج إلى هذا العالم كان لزاما أن ننسب الفضل إلى طائفة عرفت في فرنسا في القرن ال17 باسم «صناع العطور» تربعت على عرش هذا الفن إلى أن تقوضت سمعتها بعد وفاة إحدى الأميرات الفرنسيات بسبب استخدامها للعطور في تجميل بشرتها، إذ اتضح أنهم يستخدمون مواد سامة في صناعة العطور! ولكن الولع بالعطور لم يتقوض بل سرى سريان النار في الهشيم، وكان للملوك السبق في الاستمتاع بهذه الهبة الطبيعية، فكان الملك لويس ال15 مهتما بالعطور؛ إذ تدهن بها عربته كل صباح، وكذلك أثاثه وملابسه، وكان نابليون بونابرت يستخدم 60 زجاجة من عطر الياسمين في الشهر، وكان أحب العطور إليه عطر الجوزفين لاحتوائه على المسك العربي الأصيل، وأدركت جوزفين زوجة نابليون بونابرت هذا الولع عنده فكانت تغمر كل ردهات وغرف القصر بعطر البنفسج. ويقال إنه حين دعا يوليوس قيصر كليوباترا لزيارة روما جاءت مع حاشيتها وعطورها، وكان لديها عطر للصباح وآخر للمساء. وهكذا أسست تجارة عالمية للعطور بلغت فقط في الشرق الأوسط خمسة مليارات، احتلت السعودية المرتبة الأولى في حجم الاستهلاك! ومن المخزي ألا تدين النساء قاطبة لصاحبة السبق المرأة الأسطورة التي صنعت إمبراطورية شانيل كوكو التي كانت أمنيتها: «أن أمنح النساء عطرا مصنوعا مثل الفساتين لا أريد أن تضع المرأة أي ورد أو ليلك من الوادي، أريد عطرا مركبا». وهكذا كان عطر كوكو شانيل رقم خمسة، وهو رقمها في الملجأ الذي عاشت فيه أثناء طفولتها، وهو العطر الذي قالت عنه مارلين مونرو في إحدى مقابلاتها إنها «عندما تذهب للنوم لا ترتدي إلا بعض قطرات من CHANEL N˚5». وكنت كلما شممت هذا العطر رددت بإعجاب على الطريقة الدرويشية: «أحن إلى خبز أمي»، لأنه أيضا عطر أمي!. فوزية الخليوي