تشمع الكبد من الأمراض الشائعة في الوطن العربي، وفي الدول الغربية، نتيجة النسبة العالية من الإصابة بالتهابات الكبد الفيروسية نوعي «B» و«C»، ومن أهم أسبابه تناول المشروبات الكحولية، وهو مرض ليس جديدا؛ حيث إنه معروف منذ القدم، وكان أول من وصفه هو أرسطوطاليس في الإسكندرية عام 300 قبل الميلاد، حيث وصفه بأنه كبد قاس مثل الحجر، وذكر أنه عادة ما يكون مصطحبا بوجود حبن «استسقاء»، أما في الطب الحديث فكان أول من استعمل كلمة تشمع الكبد «Cirrhosis» هو لينيك عام 1819م، واصفا الكبد المتشمع بعد تشريح الجثث بصفاته الضمورية مع استسقاء ودوران جانبي وريدي. ولكن هانوت وبعد نحو خمسين عاما من لينيك وصف تشمع الكبد بصورة أخرى، حيث أكد أن الكبد يكون متضخما، مع وجود يرقان، ولكن دون استسقاء في البطن، ثم جاء جيلبرت بعد ذلك بأعوام وأوضح مشتركا مع هانوت نفسه وجود نوعين من التشمع، أحدهما ضموري دون استسقاء والثاني كبدي ضخامي مع استسقاء. تشريح المرض عن أسباب هذا المرض وأعراضه وعلاجه، يتحدث استشاري المناظير والكبد والجهاز الهضمي الدكتور نعيم أبو نبعة معرفا المرض: « التشمع مرض مزمن ومنتشر وخطير وغير قابل للتراجع، يتميز بتحطيم عام في مكونات الكبد الخلوية، وزيادة واضحة وكبيرة في الأنسجة الليفية مع نمو في بعض أجزائه وتكوين العقد الترميمة «العقيدات المتجددة» بالإضافة إلى اختلال في تكوينه الهندسي، والعقد الترميمية «المتجددة» تنتج عن تكاثر في الخلايا الكبدية منتجة نسيجا كبديا بأشكال ومقاييس مختلفة، وقد تكون وظيفة هذه الأنسجة المتجددة غير طبيعية، وتكون هذه العقد محاطة بأنسجة ليفية». ويشرح أبو نبعة المرض بتصنيفه: «هناك محاولات كثيرة لتصنيف تشمع الكبد، ولكن فلنأخذ التصنيف الأسهل والمعتمد على الأساس التشريحي والوصفي: - تشمع صغير العقيدات: حيث يبلغ قطر العقد الترميمية أو العقيدات المتجددة «1ملم» أو أقل، وعادة ما يكون سببه الكحول. - تشمع كبير العقيدات: حيث يمكن أن يصل حجمها إلى عدة سنتمترات، ونسبة حدوث السرطان تكون أكثر من النوع السابق. - تشمع مختلط، صغير العقيدات وكبيرها، وهذه الأنواع تعبر عن نفس المرض وليست أمراضا مستقلة، وقد تدل على مراحل تطور في التشمع نفسه، والتشخيص الأكيد لتشمع الكبد يتم عن طريق خزعة الكبد التي يجب أن يتوافر فيها ثلاث علامات: - النخر Necrosis. - التليف Fibrosis. - وجود العقد المتجددة Nodular Regeneration.» ويضيف: « يعتبر ضياع الانتظام الخلوي في الكبد نتيجة العقيدات المتجددة أهم العلامات الثلاثة المذكورة، حيث إن عامل تأذي الخلية الكبدية و«النخر» عامل غير ثابت، وفي بعض التشمعات تبدو الخلايا طبيعية وكذلك وظائف الكبد». التحول إلى التهاب مزمن ويتابع أبو نبعة مراحل المرض وأسبابه: « من أهم الأسباب المؤدية إلى التشمع في البلدان الشرق أوسطية، حيث يقدر أن نحو 10 %من سكان بعض مناطق العالم العربي والإسلامي حاملون للفيروس «B»، وأن نسبة أخرى منهم يحملون الفيروس«C»، ويقدر ما نسبته نحو 10 % من مرضى التهابات الكبد الفيروسية نوع «B»، سيتحول مرضهم إلى التهاب كبدي مزمن، وأن البعض من هؤلاء سينتهي بهم المطاف إلى تشمع الكبد، ونادرا ما يتحول إلى سرطان الكبد بعد أعوام طويلة من التشمع». ويضيف: «في حالات التهاب الكبد نوع «C» يعتقد أن ما يزيد على 50 % من المرضى سيتحول مرضهم إلى التهاب كبدي مزمن، قد يتحول عند بعضهم بعد فترة من الزمن إلى تشمع في الكبد، ونسبة قليلة منهم قد ينتهي بهم المشوار بسرطان في الكبد، وهذا الفيروس الذي يعتبر ميكروبا صغيرا جدا، ربما يسبب التهابا حادا، ويعطي كل الأعراض المعروفة لذلك المرض، وفي هذه الحالة يتم تشخيصه مبكرا، ولكن توجد حالات أخرى نسبتها عالية تكون التهابات طفيفة قد لا ينتبه لها الطبيب أو المريض لكنها تسبب التهابا مزمنا، وتنتهي بتليف الكبد ثم تشمعه». الكحول القاتلة وبالنسبة إلى التهاب الكبد الكحولي: « يعتبر تناول الكحول من الأسباب المهمة لتشمع الكبد خاصة في الدول الأوروبية وأمريكا، ويقدر أن أكثر من10 %ممن يتعاطون هذه المشروبات لفترة طويلة سينتهي بهم الأمر إلى تشمع كبدهم، وعادة ما يحدث التهاب الكبد الكحولي بعد أكثر من خمسة أعوام من الإفراط في تناول الكحول، إلا أنه قد يظهر عند بعض الأشخاص خلال عام واحد فقط من إفراطهم في تناول هذه المشروبات الكحولية، ولكن بشكل عام كلما طالت فترة تناول الكحول زادت كمية استهلاكه، وبالتالي زيادة احتمال حدوث الالتهاب وتشمع الكبد». ويستطرد أبو نبعة: «التهابات الكبد وتشمعه عند المدمنين على المشروبات الكحولية تحدث إما بالتأثير السام المباشر للمادة الكحولية على الخلايا الكبدية، أو نتيجة لإهمال تناول الطعام المتكامل، ويكون تركيزهم على المشروبات الكحولية للحصول على الطاقة الحرارية اللازمة لهم، وقد يكونون غير قادرين من الناحية المادية على الحصول على الطعام المتوازن والجيد؛ لأنهم ينفقون كثيرا جدا على تناول الخمر، وهذا يؤدي إلى سوء التغذية التي عادة ما يتعرض لها جزء كبير منهم، وسوء التغذية هذا يكون عاملا مساعدا آخر لتشمع الكبد». ويشير إلى أن بعض الدراسات أوضحت أن هناك زيادة في تكاثر الجراثيم في أمعاء مرضى تشمع الكبد الكحولي، وخاصة عند المرضى الذين يعانون من الحبن «الاستسقاء» وفشل كبدي متقدم، وهذا ما لوحظ في نحو 33 % منهم، ويعتقد أنه قد يكون السبب في الالتهاب الذي يحدث للحبن الخطير، حيث إن هذه الجراثيم قد تصل إلى الدم عن طريق الدوران الجانبي دون المرور على الكبد .