من السلوكيات الطبيعية أن يتلمس الإنسان، وحتى بعض الحيوانات، شعره في حالة الحرج أو التوتر، من خلال شعر الرأس أو الذقن أو الشارب. إنه القلق التحولي الانفعالي بصورة حركية لا إرادية من خلال «العقل الباطن» لحفظ التوازن النفسي، فهو أمر سليم حينما يكون مؤقتا ولفترة وجيزة، أو كرد فعل لحدث مقلق، فهو مثل فرك الأيدي أو زيادة الحركة في حال الإحساس بالتوتر. ويضيف الدكتور عبدالكريم الشوبكي استشاري الأمراض النفسية والعصبية: «في حال زيادة التوتر والقلق يصبح الأمر حالة مرضية تتفاقم وتتأزم لتصبح هاجسا سلوكيا بقلع الشعر. وتتفاقم الحالة النفسية والجسدية بسبب انتزاع الشعر، وما ينجم عن ذلك من حكة أو حساسية جلدية ومن حالات نفسية أخرى بسبب الخجل من المواجهة، بسبب العيوب الجسدية والجمالية الظاهرة. وهذا يؤدي في معظم الحالات إلى معاناة الكآبة, والمزيد من القلق، ومن ثم زيادة في قلع الشعر والدخول في الحلقة المفرغة. وأكثر مناطق انتزاع الشعر هي من الرأس أو الحاجب, وفي 50 % من الحالات الشديدة تصل الخطورة إلى ابتلاع الشعر بطريقة غير واعية, ما يؤدي إلى انسداد الأمعاء, أو النزيف أو انسداد قنوات الغدة الصفراوية المرتبطة بالاثني عشر، مؤدية إلى الإصابة باصفرار الكبد الانسدادي. وتصل نسبة حدوث هذه الحالة المرضية إلى 3.5 % في أي مجتمع، وهي أعلى بكثير لدى الفتيات من الذكور، وعلى الأغلب فإن السبب أن الإناث أكثر عرضة للكبت النفسي وأقل تعبيرا عن مكنونات ما يعانين في معظم المجتمعات. وتتسم الحالة بالسلوك الاندفاعي اللاواعي، بشد الشعر وقلعه المتكرر المسبوق بحالة من التوتر العالي ثم الارتياح المؤقت بعد ذلك ثم حصول عقدة الذنب أو التوتر ومن ثم العودة مرة أخرى وهكذا. وكثيرا ما يتلازم مع هذه الحالة حالة الاكتئاب والوسواس القهري، واللجوء إلى المهدئات وأحيانا التدخين أو الكحول، والسرقة الاندفاعية التي تزيد الحالة المرضية سوءا. وفي أغلب الأحيان ينكر المريض قيامه بانتزاع الشعر، ويعزى خفته إلى تساقطه تلقائيا. وتبدأ الحالات في أغلب الأحيان في سن المراهقة. وقد أثبتت الدراسات الحديثة وجود اختلال في توازن السيروتونين وفي المناطق المختصة بالسلوكيات الاندفاعية في الجهاز العصبي المركزي، ولعلاج هذه الحالة فقد أظهرت العلاجات الحديثة التي تعمل على تنظيم المواد العصبية المسؤولة عن «الاندفاعية» مصحوبة بأنواع هامة من المعالجة السلوكية الخاصة نجاحا عاليا في الشفاء من الحالة المرضية. ومن الأخطاء الشائعة إبقاء هذه الحالات لدى اختصاصي الأمراض الجلدية وعدم استشارة الاختصاصي النفسي، وحتى إن رفض المريض أو أهله مراجعة الطبيب النفسي فإن المسؤولية الطبية الأخلاقية تستوجب إيفاد المريض للمعالجة لهذه الحالة النفسية. وأما الجانب الآخر لاختصاصي الأمراض الجلدية فهو معالجة العواقب والآثار الجلدية الناجمة عن هذا الداء.