هربت (الخادمة) ، لملمت أغراضها الشخصية البسيطة ووضعت مخدة على فراشها وغطتها باللحاف لتوهم (المدام) بأنها نائمة ، وعند الفجر رحلت ، لا ندري إلى أين ، لكنها في جدة. خادمتنا ليست عليها ضغوط عمل ، فلا يوجد في البيت سوى (أم عبدالله وأنا) ، وصالحة (زوجتي) زادت راتبها إلى 1200 ريال ، وهي معززة ومكرّمة وليس هناك ما يدعو لهروبها ، ولا نظن أن كثرة الضيوف وزيارات الأقارب تزعجها ، فهم يجيئون ومعهم غالباً خادماتهم ، ثم إن الضيافة والزيارة وقتها قصير ، وليست يومية بطبيعة الحال ، وهي كانت تستعد للسفر في إجازة نهاية ديسمبر الحالي. إذن لماذا هربت؟ هناك -وفي جدة ومكة المكرمة بالذات- إغراء حقيقي لهروب الخادمات والسائقين ، فهم يجدون دون إقامات نظامية مأوى عند بعضهم بعضاً ، فالعريقون في البلد من جنسياتهم كثيرون ، وبعضهم يعمل سمساراً لجمع وتشغيل هؤلاء الهاربين ، وطبعاً برواتب أفضل كثيراً وساعات عمل أقل ، وحرية في التنقل من أسرة إلى أخرى كلما زاد إغراء الراتب أو الراحة. هذا –والله يغفر لنا- إن لم تكن لهم ولهنّ ممارسات أخرى تدرّ أموالاً أكثر. ظاهرة (الهروب) هذه قديمة ومستمرّة ، ومع قيام وزارة الداخلية بتطبيق نظام البصمة تراجعت الظاهرة ، وقلّ الهاربون والهاربات من كفلائهم ، لكن قيمتهم زادت في السوق ، وأصبح إغراء الهروب أكبر ، ومع توقف الاستقدام من بعض الدول ، أصبح كثير من الأسر ممن أعرف وتعرفون يبحثون عن خادمة أو سائق من هؤلاء بأي ثمن ، وهذا أول وأهم أسباب الهروب في نظري ، وأتصور أن الحل يبدأ من عنده. أعرف صديقاً لديه طابور من الخدم ومن جنسيات مختلفة ، وهو يحتاجهم فعلاً لأسباب عديدة لديه ، وبعضهم عنده من سنين كثيرة ، وقد سألته ذات مرة عن السبب في عدم هروب أي منهم فقال : الإنصاف والنظام. قلت : ترجم! فقال : (رواتب مجزية منتظمة ، ساعات عمل محدودة ، سكن لائق ، تأمين طبي ، إجازة أسبوعية وسنوية ، وتذاكر وهدايا و... ملابس لائقة بين الحين والآخر ، وتعامل حسن). هذه الوصفة المثالية ليست عند صديقي فقط فهي بكل تأكيد موجودة عند آخرين ، لكنها والحق يقال ليست غالبة على الناس في مجتمعنا ، وأكاد أقول نادرة. الآن نحن في المملكة مازلنا ننتظر شركات الاستقدام التي قرأنا عن تأسيسها ومواعيد بدايتها التي لا ندري متى تحين ، والمأمول أن تأتي محققة وصفة صديقي (الإنصاف والنظام) ، والوفرة ، حينها ستنتهي –قطعاً- ظواهر الهروب هذه ، وستنتهي معها ظواهر أخرى من تبعاتها. والآن أودّ أن أخبركم أننا منذ يومين والمدام وأنا نبث التوصيات هنا وهناك بحثاً عن (خادمة) وبأي ثمن ، فمن يعرف منكم سمسار هاربين فليبلغنا مشكوراً.