من أطرف ما يتم دغدغة مشاعر الجمهور به في الآونة الأخيرة هو الدندنة حول ضرورة تخفيف عقوبات المخالفات المرورية، والبعض رفع صوته مطالباً بإلغائها نهائياً ، والسبب هو الرحمة بالضعفاء رقيقي الحال من المواطنين والمقيمين ذوي الدخول المادية المتواضعة ، الذين لايستطيعون دفع غرامة مخالفاتهم التي يرتكبونها ، وفي هذا السياق يستطرد المطالبون بالتخفيف ساردين غلاء المعيشة وضعف الرواتب وكيف يستطيع من راتبه ألفا ريال أو ثلاثة أو خمسة أن يسدد الهاتف والجوال والكهرباء والبقالة وطلبات المدارس و ... و .... وفوقها غرامة المخالفات المرورية ، ويستمرون في سرد معاناة زيد ، وعمرو ، ويروون قصصاً تدمي القلب ، لكنهم لايسألون سؤالاً واحداً في إجابته ما يهدم كل ما يقولون والسؤال هو : لماذا يخالف؟ لماذا يعرض نفسه للغرامات بغض النظر إن كان غنياً أو فقيراً ، وسواء يملك سيارة فخمة أو (قرنبع) -بالمناسبة- (القرنبع) مسموح بيعها وشراؤها وقيادتها في شوارعنا بدون حسيب ولا رقيب فهي لا منع لها ولا عقوبات على استخدامها ، المهم لماذا المخالفة من الأصل؟ هنا تتوقف الشكوى من ضيق الحال وضعف دخل المخالفين إلى الشكوى من إدارة المرور التي يدعي البعض أنها تسجل مخالفات خاطئة وهذه تتطلب من اللواء عبدالرحمن المقبل مدير عام المرور وضع النقاط على الحروف بوضوح ، فإذا كان هناك أخطاء فلابد من الاعتراف بها وتعويض أصحابها وتصحيحها ومنع تكرارها. والآن سأنتقل للحديث مباشرة مع اللواء المقبل لأقول له مؤملاً وراجياً منه أن ينصت ويتأمل ويضع الخطة الكفيلة بتسجيل اسمه في تاريخ وطننا أنه أول مدير عام مرور استطاع أن يضبط المرور في الشارع السعودي لنكون مثل العالم المتقدم في هذا الميدان ، ومثل بعض جيراننا الذين يقود السعوديون والسعوديات سياراتهم في شوارعهم دون مخالفة واحدة ، وهذا ليس بسبب وعي مفاجئ يحل عليهم ، ولكنه النظام الحازم الصارم ، وهو نظام يستدعي من اللواء المقبل أمرين : الأول : وضع كاميرات (ساهر) ثابتة في كل طريق وشارع وركن وزقاق ، وأعرف أن هذا مكلف ، لكنه أقل تكلفة من الأرواح التي نخسرها يومياً وسنوياً ، والسيارات التي تتلف ، وتكاليف العلاج على معاقي الحوادث ومصابيها ، وغير ذلك من تكاليف الحوادث الباهظة. الأمر الثاني : هناك نوعان من المخالفات المرورية ، نوع قاتل مثل السرعة وقطع الإشارة ونحوهما ، وهذا النوع لايكفي أن تكون عقوبته تسعمائة ريال ولا ألفاً ولا ألفين .. هذا النوع يتطلب ما لايقل عن عشرة آلاف ريال مع السجن وسحب الرخصة وأي عقوبات مغلظة ، ونوع مما يعيق الحركة أو يسبب مشاكل مرورية أخرى لكنه ليس خطيراً مثل الوقوف الممنوع ونحوه ، وهذا النوع يمكن أن توضع له عقوبات من ألف ريال فما دون ، وتتضاعف إذا كرر المخالف نفس المخالفة خلال سنة ، والحاسب الآلي يستطيع ضبط ذلك ويعرف إن كرر أو كانت المرة الأولى ، وبهذا تخرج عقوبات المرور المادية من دائرة الربا وجدل الحلال والحرام ، وتصبح حازمة رادعة. إنني أعرف أن هذا يتطلب إمكانات مادية وبشرية ولكنني أعرف أن سمو وزير الداخلية سيقدم الدعم المطلوب ويقنع القيادة العليا بضرورة توفير المال اللازم لكل التقنيات والإمكانات المطلوبة ، كما أن الأمر يتطلب إعادة نظر في نظام المرور من أجل تغليظ العقوبات ، ولا أظن عاقلاً لا في مجلس الشورى ولا في أي جهة سيعارض ذلك ، لأن السؤال السحري : لماذا يخالف؟ يقف بالمرصاد أمام كل من تسول له نفسه الاعتراض على غرامات المخالفات المرورية. إذن وفروا الإمكانات وغلظوا العقوبات نكن بين عشية وضحاها من الدول المتقدمة مرورياً ، والتاريخ سيسجلها لمدير عام المرور ورجاله بأحرف من شكر وتقدير ، فضحايا المرور عندنا أكثر من ضحايا الحروب.