** هكذا الحياة .. مسرح كبير !! على خشبة المسرح نتقاسم الشخصيات ، والأدوار ، والنصوص !! بعضنا (يغيب) شيء من ملامحه ، أو واقع دوره ، وبالتالي يأتي النص مجزأً. ** في الحياة وحدها ليس ثمة (بحسب ما يريد المخرج) ..! هناك فقط (بحسب ما نريد نحن) ..! أي أن حضورنا على خشبة المسرح في معترك الحياة نفرضه نحن ، وليس النصوص المحنّطة ، ولا إبداعات المخرجين اللامعين. ** وقضية الحضور الذاتي أحيانًا تكون خارجة حتّى عن مفردات الجنس ، ذكرًا كان أو امرأة !! وإن كنا أحيانًا كشرقيين ، وأحايين أكثر كسعوديين نكسو (الرجل) سلطوية الحضور المطلق ، أو الحضور الأقوى ، في حين نحيط حضور المرأة بشيء من الإشفاق من منظور أن المرأة (كائن ضعيف). ** أحيانًا المرأة تقلب ظهر المجن !! فيختفي رجل ، وتظهر امرأة ، ويسكت رجال ، وتتحدث أنثى !! ** ولن أذهب بكم بعيدًا داخل تفاصيل التاريخ ! أمثال تلك المرأة التي أوقفت عمر الفاروق على منبره ؛ ليؤكد الحقيقة التي يجب أن تكون -وربما يجب أن تستمر- (أخطأ عمر وأصابت امرأة) ..! ** سأقف فقط عند (أم محمد) ! الزمن ليس هو ، والشخوص ليسوا هم ! الفروق كبيرة في منعطفات التاريخ ، لكنْ ثمة شيء (ما) ليبقى من تباريح النص ! والحكاية تبدأ من كارثة جدة !! هذه الكارثة التي هزّت بأوجاعها أجواف حدود الوطن الأربعة !! ** شخص (ما) أجزم بأنه كان يحترق أكثر ، ويحس بوطأتها أشد ، وتكاد تقد عروقه ؛ لأنه كان يشعر بأنه معنيٌّ بها أكثر من أي شخص آخر. ذلك هو الأمير خالد الفيصل الذي رأى الكارثة تتكرر للمرة الثانية في حقبة إمارته .. إنها أصبحت التحدّي الأكبر الذي يواجهه حتى وإن كانت تداعياته (تالدة) من صنيعة أناس آخرين .!! ** وأحسب أن أنفاس سموه في تلك اللحظات الصعبة تكاد تختنق داخل عنق العروس ، إنه يحمل كافة همومنا وأوجاعنا ، بكافة أطيافها وأشكالها ؛ لذلك لا غرابة أن تجده في كل موقع ، وعند كل نائحة وصائحة ليتفقد ، ويرى ، ويسمع ، وفي عمق المعاناة كان (الخلاص) الجذري هو ما يشغله ، ويثير فكره !! ** ذات مساء تبدأ حكاية (أم محمد) .. كعادته خرج الأمير يتفقد وخرج معه الكثير من الرجال وخرجت أم محمد ! المرافقون كانوا على حدود المشهد ، و(أم محمد) وحدها كانت داخل المشهد !! أتدرون لماذا ؟! المرافقون كانوا يجتهدون أن يظهروا للأمير صورة الجهد الذي يقومون به للإنقاذ ، أمّا هي فكانت تواجه الأمير بجرأة عالية عن ما حلّ بهم !! قالت: نحن واجهنا الموت مرتين قبل ذلك ، وعدونا وما وفّوا ، تركونا نواجه أقدارنا .. إننا نموت .. يبنون السد الترابي مؤقتًا ، وكأنهم يريدون أن يغرقونا. ** أين نذهب ؟ وأين نروح ؟ المشكلة ليست فيك يا سمو الأمير .. المشكلة في المسؤولين من تحتك .. ** بمثل هذه العبارات ، أو بما يقرب منها -لا أتذكّرها نصًّا تمامًا- كانت تواجه (أم محمد) الأمير خالد الفيصل بكل جرأة وبكل شجاعة ! إنها الجرأة في الحق ، والشجاعة في نقل حقيقة المعاناة ، وللمعاناة حقائق لا يدركها إلاّ مَن يكابدها !! ** وحاول المرافقون تغييب (أم محمد) عن المشهد بإبعادها ، وحاولوا تغييبها ثانية بإسكاتها !! لكنّ (الفيصل) بكل ما تملكه شخصيته المتجلّية دائمًا بالحضور البديع .. أبعدهم ، وراح يحاورها ، ويسمع لها ، وحتى يسكت أحيانًا إذا ما اشتدت .. فللمجروح ساعة يجب أن تستبقيها له !! ** وطارت المواقع الإلكترونية ، ووسائل الإعلام بهذا المشهد المثير .. جرأة امرأة وقبول أمير ..!! ** واستغرب من أولئك المرجفين الذين كانوا يتساءلون عن مصير (أم محمد). لم يطل الأمر بالكثير حتى جاءت الإجابة على لسان وفعل الفيصل !! أم محمد تدشن باكورة مشاريع حماية جدة من السيول !! نعم امرأة تدشن أول المشاريع الكبرى ، ولا تستغربوا مفاجأة الفيصل ، ولا لفتاته اللامعة ، ولكن تأمّلوا فقط الرسائل التي يجب أن نقرأها من هكذا فعل: أولاً: إننا في هذا الوطن نقف على درجات متساوية ، فروقنا ليست في الأجناس والأعراق ولكنها في الولاءات والانتماءات !! ثانيًا: إن القيادي والمسؤول يحتاج إلى الصوت الصادق الواضح الشفاف الذي ينقل له الحقيقة ، وليس إلى الصوت الذي يحاول أن يتجمل أو يواري !! ** (أم محمد) مواطنة من حي أم الخير أكثر الأحياء تضررًا من سيول جدة كانت تملك جرأة من غير إساءة وشجاعة من غير تعدٍّ ، وصدق من غير تزلف ! لهذا كانت بطلة المشهد .. ويظل بطل كل مشهد هو ذلك المواطن الأصيل الذي يتسم بالصدق في ولاءاته وانتماءاته أيًّا كان ؟ رجلاً أو امرأة ؟!!