ممّا أفرزته الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة التي ضربت بقوة في العقد الأول من القرن الألفي الثالث في الكثير من بلدان العالم الحر والمستعبد اختياراً انفتاح بعض الأسواق التي كانت شبه مغلقة أو منغلقة اقتصادياً ، فما عُرف بالعولمة وقف عاجزاً عن اختراقها ، وبالتالي نشوء أسواق جديدة لفرص استثمارية رائعة للشركات الكبرى الرائدة في مجال الاستثمارات السريعة ، أو المؤسسة للاستثمار في مجالات لم يكن الاستثمار فيها متاحاً وبخاصة في دول العالم النائم عفواً المنعوته مجاملة بالنامية ، وبحكم أن الأسواق العربية تعتبر ناشئة أو بتعبير أدق طفيلية تقتات في ظل الشركات الكبرى ، فظهر مايُعرف بشركات المقاولات من الباطن ، فالشركات الأم تبرم العقود الأصلية بمبالغ فلكية ، ولأن من يأكل لوحده يغص في عالمنا العربي ، تُمنح شركات المقاولات الصغيرة عقود التنفيذ المباشرة ، ولهذا قلما نجد مشروعاً استثمارياً أو عاماً تم تنفيذه عبر شركات من الباطن إلا وكان مصيرة كوارثي بكل المقاييس . إلى هنا قد يُعد ماسبق مما يُعمل به حتى في بلدان الشركات الأم ، إلا أن الفاصل الوحيد قبل التنفيذ وليس بعده الرقابة على المال العام منذ اعتماد الميزانية إلى أن يقفل الحساب الختامي ، ولهذا يُكتشف الفساد المالي والإداري سريعاً ، ويكون الحساب أسرع لأنه يصدر عن جهات رقابية لاتخضع لضمير أناني . ولأن الشركات الأم يديرها أجهزة غير تقليدية كأن تكون عائلية أو عشائرية أو حتى بالترشيح بالتزكية كما يحدث في عالمنا العربي ، بدأت تستثمر في المشروعات المتوقع نجاحها في القرن الألفي الثالث ألا وهي مجالات بحق غير تقليدية كالاستثمار في المظاهرات السلمية ، والاحتجاجات البيضاء ، والانقلابية الغير دمومية ، فتسويق فيروسات الأنفلونزا المختلفة لم يعد ينطلي على الإنسان العربي تحديداً لأنه يتمتع بالدهاء والمكر، والترويج للديمقراطية سيؤدي إلى وصول أحزاب أو تنظيمات إسلامية لم تنجح في التعريف بنفسها محلياً وبالتالي القبول بها خارجياً ، وغزو الأوطان أيضاً بالنسبة للشركات الأم نجح شكلاً بتحقيق الشلل في أطراف تلك البلدان التي وقعت تحت الغزو إلا أنه فشل مضموناً ، والسيطرة على البلدان النائمة من خلال المنظمات الدولية يستنزف تلك الشركات مادياً وهو لايتفق مع شروط الرقابة على المال العام في بلدان تلك الشركات ، ليأتي الاستثمار المربح فعلاً ، حتى إن بورصة تلك الشركات التي يتم تداول أسهمها فيها تقف غرة كل عقد لحظة احترام لصاحب فكرة الاستثمار في تلك المشروعات الغير تقليدية . ولأن التقليد سمة عصرنا العربي منذ عقود ، أجد أن الاستثمار في هذه المجالات هو المنقذ الواقعي لعالمنا العربي من أزماته الخالدة ، فالمظاهرات السلمية ، والاحتجاجات البيضاء ، وحرية التعبير عن بعد ، وكلمة حق عند سلطان غير جائر ، لاتتطلب أكثر من استخراج سجل تجاري من أي غرفة تجارية في عالمنا العربي ، وفتح باب الاكتتاب العام فيها لكل من يحمل الجنسية العربية ، وإدراجها في بورصة الرأي والرأي الآخر ، وبهذا يتم ضرب عصافير الشركات الكبرى ، والشركات الغير مرخص لها في عالمنا العربي ، وشركات المقاولات من الباطن بأكثر من حجر ، فالمواطن العربي مل الوعود المختلفة ، ولديه الاستعداد التام لأن يكتتب في هكذا شركات ولو ظل بلا مسكن أو طعام أو ماء . والله المستعان.