تتراوح الكلمة بين الخبر والإنشاء ، وفي الخبر تتراوح بين الصدق والكذب أو الحقيقة والظن ، وفي الإنشاء بين الالتزام أو الوصف ، وفي جميع أحوالها تعبر عن ضمير المتكلم ووجدانه وعقله. وسائل الاتصال والإيصال هي في أوج تطورها اليوم ، بعد أن كانت مقصورة في زمن من الأزمان على السماع المحدود بعدد من الأشخاص في مكان في زمان محدودين. ثم تطورت الوسائل حتى أصبحت الكلمة تصل من أقصى الأرض إلى أقصاها في اللحظة التي تنطلق فيها وكأنها الضوء الذي يخترق المسافات الشاسعة ، لا يكاد يوقفه عن بلوغ مداه شيء أو ربما اعترض الضوء ما لا يعترض الكلمة. أتاح تنوع الوسائل للكثيرين أن يتكلموا بعد أن كانوا عاجزين لو لم تتوفر لهم هذه الأسباب ، والكلام هنا لا يقتصر على صورة ، بل يشمل كل الصور مسموعا ومكتوبا ، وأنطق المجال الفضائي الكثيرين حتى أصبح هناك تنافس في الكلام الذي يدفع المتكلمين والمستمعين والكتاب والقراء إلى اللهاث. ربما كان الغائب في ذلك كله هو الروح المسؤولة أو الحافز الحي لجعل الكلمة ميثاقا تلتقي عليه الأرواح الصافية والنفوس النقية بعيدا عن الزيف المسرف بين تملق بارد أو انتقاص حاد، وبين عبث لا يحقق مصلحة أو تزمت لا يحافظ على قيمة. حين يضع الإنسان في حسابه أن الكلمة هي الموقف الذي يسطره وتظل شاهدا حيا له أو عليه ، فسوف يحرص على أن تكون مكتوبة بحساب أو منطوقة بحساب ، وقل أن ترى ذلك أو تسمعه.