إنَّه لكتاب (باذخٌ) بكل ما تعنيه هذه الكلمة من علوٍّ وارتفاع، فالباذخ في اللغة ذات معانٍ متعدِّدة، يعنينا منها معنى العُلوّ والشموخ، والارتفاع، كما يُقال: شَرفٌ باذخ، وجبل باذخ، وجَمَلٌ باذخ السنام، وكلَّها هنا تعني الارتفاع، وأضيف إليها: وكتاب باذخٌ، أي أنّه عالٍ ومرتفعٌ شكلاً ومضموناً، وحجماً. أهداه إليَّ الزَّميل الصديق الشيخ محمد بن حسين الموجان، زميل الدراسة في المعهد العلمي في الباحة وكان سابقاً لي بسنتين، وصديق مرحلة الشباب، وطلب العلم، وصديق رحلة الحياة وإنْ تباعدت بنا بعد التخرُّج في الجامعة مشاغل الحياة. لقد بذل أبو حسين جهداً كبيراً متواصلاً في جمع مادة هذا الكتاب الضخم الباذخ وكان مشغولاً به عقلاً وروحاً، جاداً في جمع مادته وصوره، مثابراً على ذلك المثابرة كلَّها، وجدير بإنسان يبذل هذا الجهد الكبير، ويثابر تلك المثابرة أنْ يصل إلى نتائج باهرة -بإذن الله تعالى-. الكتاب يقع في أربعٍ وخمسين وأربعمائة صفحة بحجم (أكبر من أحجام الكتاب الكبيرة) فهو سجلٌّ حافل، مطبوع طباعةً في غاية الأناقة والجمال، غلافه صورة رائعة لقطعة من كسوة الكعبة المشرفة بنقوشها البديعة، وحروفها العربية الأخَّاذة، ورقه مُفْعمٌ بالجودة واللَّمعان واللّون المريح لعين القارئ، طباعتهُ في غاية الجودة، أمَّا لوحاته وصوره وخرائطه القديمة والحديثة ورسومه البيانية فهي أنموذج بديع للوضوح والإتقان، هذا من حيث الشكل والطباعة، أما المضمون فحسبنا به شرفاً وقيمة عظيمة، وكيف لا يكون كذلك وهو مضمون متعلَّق بالكعبة المشرفة ماضياً وحاضراً؟ وليسمح لي القارئ الكريم أن أفتح نافذة صغيرةً من الذكرى، أَبَتْ إلا أنْ تُفتح في هذه اللحظة التي أكتب فيها، تتعلَّق بزميلين عزيزين، وصديقين كريمين هما (الشيخ محمد بن حسين الموجان) و(الأستاذ أحمد المزروع) فقد ألحَّتْ على ذهني صورتهما ونحن ندرس في الباحة في المرحلتين المتوسطة والثانوية، وكأنني أنظر إليهما الآن وهما يُعنيان عناية فائقة بجمع غرائب المناظر والصور وطوابع البريد القديمة، وبعض الأجهزة الخاصة بذلك، وأجمل النماذج من الخط العربي، وقد كنت أستمتع بما أرى لديهما، وأشعر بقيمته، وإنْ كنت بعيداً عن الاهتمام بمشاركتهما في هذه الهواية الجميلة، ولقد علمت من الصديق أحمد المزروع (أبي ماجد) وهو يتولى عملاً ذا قيمة في وزارة الداخلية حينما التقيت به بعد طول انقطاع أنَّ لديه ثروة كبيرة من الصور والوثائق من نتاج تلك المرحلة، وقلت له آنذاك وأقول له الآن: ما أحوجنا إلى كتاب يلمُّ شتات ما لديك. أرجع إلى كتاب (الكعبة المشرفة) لأقول: إنَّ مؤلِّفه الأخ محمد الموجان قد بذل جهداً كبيراً على مدى سنواتٍ أحسبها تجاوزت العشرين سنة باحثاً ومنقِّباً لأهم الصور والمعلومات عن الكعبة المشرفة وتاريخ عمارتها، وكسوتها منذ أقدم العصور إلى هذا العصر الذي حظيت فيه بخدمة عظيمة من قِبل حكومة المملكة العربية السعودية، تقف معالمها شاهداً على إنجازات متميزة تملأ العين والقلب. قدَّم لهذا الكتاب الباذخ معالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية في المملكة العربية السعودية، وهي مقدِّمة مسطَّرة بخط عربي بالغ الجودة، أشار فيها الشيخ صالح إلى القيمة الكبيرة لهذا الكتاب الكبير، خصوصاً فيما يتعلَّق بكسوة الكعبة المشرَّفة وتتبُّع تاريخها عبر العصور. وحتى نعرف حجم المعاناة التي عاشها مؤلف الكتاب أقتطع هذه العبارات من مقدِّمته الضافية، حيث يقول: وكانت رحلتي مع الكتاب شاقة تغلب عليها المعاناة في جميع مراحلها، بدءاً من جمع المادة، والبحث عن قطع الكسوة المتناثرة في بلادٍ شتَّى من هذا العالم الواسع، وانتهاءً بتصميم الكتاب، فقد واجهت صعوبات جمة تمثَّلتْ في ندرة المادة العلمية وانعدامها في بعض الفترات التاريخية، أو تناثرها في المصادر التاريخية والفقهية والجغرافية وكتب الرحلات الوثائق وغيرها من مخطوط ومنشور، ولقد بذلت جهوداً مضنية في البحث عن كساوى الكعبة المشرفة ولا سيما تلك التي تنتمي إلى العصور السابقة، فلم أجد لها أثراً لدى أسرة آل الشيبى سدنة الكعبة المشرفة، ولا لدى أصحاب المجموعات الخاصة في الداخل، مما اضطرني إلى السفر مرات عديدة إلى دول شتى... وقد صادفتني عقبات كبيرة في المتاحف عند طلب التصاريح للبحث والدراسة.. كما عانيت من كثرة المواعيد وكثرة الأعذار. وأقول: يا لها من معاناة جميلة أخرجت لنا هذا الكتاب الباذخ الثمين.. وقبل أن أختم هذه المقالة أقترح على المؤلف أن يخرج للناس الكتاب في طبعة أخرى (أقلَّ تكلفة) حتى يتسنى لمحبي قراءة تاريخ الكعبة المشرفة أن يجعلوا هذا الكتاب رمزاً من رموز مكتباتهم الخاصة في هذا المجال التاريخي لهم. إشارة: بدايتنا من البيت الحرام=وغايتنا الهداية للأنامِ