تشير التقارير الصادرة عن منظمة الصحة العالمية عن أرقام مفزعة للتدخين في العالم، ويكفي وبالًا أن يكون ضحاياه 5 ملايين إنسان سنويًا، نصفهم في الدول النامية. والصراع بين الضحية والجلاد على أشده، فمع التشريعات والقوانين التي تبذلها دول العالم لمواجهة هذا الوباء تتفنن شركات إنتاج التبغ في الدعاية والإعلان وتخطط لاستهداف فئات عمرية لم تكن ضمن خططها الترويجية في السابق، وزيادة الأرباح الأخيرة لأكبر هذه الشركات فاجأ أكثر المراقبين موضوعية. ونحن في بلادنا بحسب الإحصائيات التي ترد نعيش كارثة حقيقية، فمع كل السبل التي تواجه بها الحكومة هذا الطوفان نجد أن التدخين ينتشر بين الأطفال والشباب انتشار النار في الهشيم. كشف المدير العام للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة بدول مجلس التعاون عن أن دول المجلس أجرت مسحًا عالميًا للتبغ بين فئة الشباب فكانت نسبة المدخنين بين الذكور تصل إلى 17%، وبين الإناث إلى 14%. ولهذا تبنت دول مجلس التعاون خطة جماعية لمكافحة التبغ من تسع إلى عشر سنوات بتكلفة قدرها ثلاثة ملايين ونصف المليون دولار سنويًا. وتشير التقارير غير الرسمية التي أوردتها صحيفة الرياض وهي أكثر الصحف المحلية تميزًا في مجال التثقيف الحي إلى أن المملكة احتلت المرتبة الثالثة عالميًا بعدد الأطفال والمراهقين والمراهقات الذين يتعاطون التدخين؛ فقد بلغوا ما نسبته 19% من عدد السكان فإذا ما كان عدد سكان المملكة 24 مليونًا فإن عدد المدخنين من هذه الفئة العمرية 4560000. وبلغ المدخنون والمدخنات 21% في حين أصبحت نسبة المدخنين من الذكور بمختلف الفئات العمرية 35%. أما التدخين بين طلبة الجامعات فكانت نسبته 37% للذكور، و10% للإناث. واحتلت المملكة المرتبة السادسة عالميًا في عدد المدخنين حيث وصل عدد المدخنين 6 ملايين مدخن. لقد صدر مرسوم ملكي بمنع التدخين في الدوائر الحكومية والمطارات، ووضعت الغرامات، ورفعت ضرائب استيراد التبغ، ومع كل هذا ظلت نسبة المدخنين في اطراد، وهذا يعني أن استراتيجية المواجهة يجب أن تكون بحجم المشكلة. ولن ننجح في المواجهة إلا برؤية شاملة تستقصي أسباب المشكلة، وتحدد منهجية العلاج. إن شبابنا اليوم يعاني من تدفق محموم لثقافة الصورة، وهي ثقافة مهووسة بالمتعة وتعال إلى حيث النكهة، من خلال الدعايات المكشوفة للتدخين، أو المقنعة التي تقدم الأبطال من الفنانين والفنانات المدخنين نماذج وقدوات للتمدن والانفتاح، وأصبح التدخين جزءًا من الوعي ومقومًا من مقومات النجاح والرجولة أحيانًا، وشكلت المشكلات الأسرية، وضعف الرعاية الاجتماعية لمؤسسات المجتمع بيئة محفزة لنمو مثل هذه القيم. وحين يتضافر الإعلام والمدرسة والجامعة والمسجد والمركز الصحي ومركز الحي، في إيجاد البدائل، وإشاعة ثقافة النقاء، ويتم حراسة هذه الثقافة بقرارات حازمة، وعقوبات قاسية على المخالفين فإن النتيجة ستكون بمشيئة الله وفق الطموحات. لقد ذكر الدكتور عبدالله البداح في ندوة علمية بالرياض نشرت الاقتصادية بعض محاورها أن مستشفى الملك فيصل التخصصي يستقبل سنويًا 12000 مريض بسرطان الرئة معظمهم بسبب التدخين، كما ذكر الدكتور مجدي محسن أن السعوديين ينفقون سنويا 107 مليارات ريال في التدخين، وهو ما يعادل قيمة استيراد المملكة من الأرز عام 2007م. تأملوا الأرقام لتدركوا حجم الكارثة.