هناك أربعة عوامل رئيسية يجب أخذها في الاعتبار قبل الموافقة على إجازة نظام الرهن العقاري. الأول: ثقافة المستهلك المحدودة جدًّا في كيفية التعامل مع آليات الرهن العقاري، ومعرفة ما له وما عليه. والثاني: عدم وجود آليات في شكل أنظمة وقوانين تحمي المستهلك من البنوك ومؤسسات الاستثمار، التي ستقوم بالإقراض ورهن العقارات، والثالث: غياب الجهات الرقابية وفي أحسن الحالات محدودية قدرتها على ملاحقة ما يجري والتصدي للإشكاليات قبل حدوثها. والرابع: ضرورة وجود أجهزة تنفيذية لفض المنازعات في حالة تعثر السداد لحماية مصالح وحقوق الأطراف المعنية بصفة عادلة، وبدون إجحاف، بموجب عقود وإجراءات مبسطة وخالية من التعقيد حتى يستطيع المقترض فهمها بسهولة. لقد شاهد العالم ما تعرضت له الأسواق الأمريكية من انهيارات جماعية جرت معها الأسواق العالمية الأخرى، وهوت بالدولار إلى أدنى مستوياته، وأفلست على أثرها عدد من البنوك، حيث وصلت الخسائر إلى ما يزيد على (4 تريليونات دولار) حسب المصادر المتخصصة في الشؤون الاقتصادية. إن ما حصل في سوق الأسهم في الأعوام الماضية والذي لازالت آثاره مسيطرة على أذهان الناس بسبب الخسائر التي ألحقت بالمستثمرين، باستثناء «الهوامير». كل هذه الأمور وغيرها يجب أن تؤخذ في الاعتبار قبل فتح أبواب الرهن العقاري حتى لا تتكرر المأساة، ويكون المستثمرون الصغار هم الضحية. إن العزف الحالي الذي تقوده البنوك وهوامير العقار.. في غياب حملات تثقيفية تؤهل المقترض محدود الدخل تشكّل قلقًا كبيرًا، وتخوّفًا من تكرار ما حصل في سوق الأسهم.. وقد تكون أسوأ.. لأنها ستمس سكن الفرد وأسرته، وتخلق إرباكات اجتماعية، وتزيد من الأعباء الأمنية.. والقضائية التي تعاني من نقص الكوادر البشرية في الوقت الراهن. كما أن غلاء الأراضي وتكاليف الاقتراض من البنوك ستصبح بمثابة قيد ثقيل في عنق المواطن المقترض لفترة طويلة من حياته، وقد لا يستطيع السداد في الوقت المحدد حسب اتفاقية الاقتراض.. خاصة إذا فقد وظيفته لأي سبب من الأسباب.. وبالتالي يفقد منزله، ومعظم الأموال التي دفعها لجهة التمويل. كل هذه العوامل والمحاذير المترتبة عليها لا تنفي الحاجة الملحة لإيجاد وسيلة تسهل على قطاع كبير من المواطنين الدخول في ترتيبات تمويل تمكنهم من إيجاد السكن الملائم لهم، ولأسرهم على المدى الطويل، ولكنه في الوقت نفسه من المهم جدًّا أن يتم الترتيب من خلال جهة واحدة بطرق نظامية محكمة.. تضمنها الدولة. وحتى لا يصبح الرهن العقاري مصيدة جديدة لشريحة كبيرة من أبناء المجتمع، مثلما حصل في سوق الأسهم، ومثلما حصل في الأسواق الأمريكية، فإن على الجهات المعنية توخّي الحذر، وإيجاد ضوابط تحمي مصالح المموّل والمقترض معًا.