المجتمع قوة لها محركات.. ليس لها علاقة بالعدل أو الظلم.. تتحكم في قوالب حياة الأفراد.. تعزز سلوكيات مؤثرة في حياتهم.. المجتمع وحدات اجتماعية مختلفة.. تتجمع هذه الوحدات.. تعطي المجتمع الكبير.. يعطي المكون الأخير.. تحت مسمى الأمّة.. وتتعاظم بتعاظم أفرادها. مع التشرذم، تصبح الوحدة الصغيرة أمّة مستقلة.. رغم هشاشة وسهولة افتراسها.. وهذا ما حصل للعرب عبر تاريخهم.. وخاصة في الأندلس، المثال الذي لم يتعظ منه العرب. أطاح العرب بكل ما أنجزه الإسلام.. عندما رجعوا إلى عقل القبيلة.. كنتيجة عاشوا حالة تشرذم.. كل مجتمع كيان مستقل بكل شيء.. بالعادات والتقاليد.. بالأعراف والحدود.. وحتى اللهجات واللبس والجهل.. معطية تراثا متباينا.. رغم كونه عربيا في محصلته النهائية. هذه المجتمعات.. بكل صنوفها.. أفرزت قوالب تتحكم في الأفراد والعقول.. وكانت المجتمعات الريفية الأكثر انتشارا.. وتنتمي لقبائل مختلفة.. بجذور في التاريخ.. ويعود بقاؤها إلى قوة تشغيل محركات خاصة.. وبدقة متناهية الصرامة على أفرادها.. وذلك بعد تهشم القلب.. وبقاء الأطراف تنبض بالحياة وحيدة تنتظر.. أليس هذا هو الانغلاق؟! وإذا كنا نعيش اليوم حالة طفرة حضارية.. فهذا لا يعني أن أفراد المجتمع انسلخوا من خصائص المجتمعات الريفية ومحركاتها.. صحيح تم استبدال الحمار بالسيارة.. والجمل بالطائرة.. واستخدمت التقنيات الحديثة في مناحي الحياة.. حتى البيت تغير نحو الأفضل.. وكذلك مستوى المعيشة.. لكن هل تغير العقل؟! بقي العقل في حلته القديمة.. يمارس شعائر وطقوس لا تتناسب والأدوات الحضارية الحديثة.. الحضارة ليست تقنيات وحاسبات آلية.. الحضارة عقل.. وستظل كذلك إلى يوم الدين. هناك شواهد.. حتى الكثير من الإنجازات والتقنيات العصرية.. تم رفضها وعدم قبولها بحجج جاهلة.. تدل على إعاقة العقل.. ثم كان عامل الزمن.. ساهم في قبولها.. هكذا مع كل شيء جديد.. الخوف والرهبة تجتاح العقل المبهور بهذه الأشياء الحديثة.. العقل الغارق في الانعزال يصبح الخوف منهجه.. وهكذا هي المجتمعات المغلقة. حتى النواحي الاجتماعية تصبح تحت وطأة ظلم هذا العقل المنعزل.. اليوم يعيش الأفراد بعقلية تتناقض مع الواقع الحضاري الذي يعيشونه.. وسيظل النساء والرجال في معاناة بسبب هذه العقول.. وكذلك الوطن والأمة بكاملها. إن استمرار النزعات القاصرة.. قوى تدل على التخلف الذي يعيشه المجتمع.. أحد مظاهر التخلف يتمثل في الضعف الذي يعاني منه أفراد المجتمع في مجال التغيير.. هناك سلوكيات متوارثة.. سادت في عصور مظلمة.. وجودها اليوم يشكل عائقا في مجالات التغيير المنشودة. هذه الأنماط من السلوكيات هي نتاج جهل واضح.. والجهل هنا عام.. الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب قد يكون جاهلا وقد لا يكون.. وأيضا الذي يحمل أعلى الشهادات قد يكون جاهلا بجدارة.. العلم الذي لا يغير نحو الأفضل.. لا يعطي الوعي.. ولا يغير السلوك.. ليس بعلم.. هو انحطاط. الجهل بالمعرفة نوع من (الأمية).. لكن أن تعرف وتجهل فهذه معضلة.. وهو ما نتحدث عنه.. الجهل الأول يمكن علاجه.. حيث يتغير الفرد بمجرد الحصول على المعرفة.. الجهل الثاني ليس له علاج إلا البتر. ما نعيشه اليوم في مجتمعنا العربي هو النوع الثاني.. وهذا لا ينفع معه إلا طريقة فرض التغيير.. لأن الجهل هنا نتاج سلوكيات راسخة.. تقع في قبضة.. يصعب إقناع أصحابها بعدم الصواب. أتى الإسلام إلى أمّة ذات جهل.. استطاع أن يغير العقول الجاهلة معرفيا.. عقول كانت متعطشة للتغيير ولم تكن رافضة له.. لكن الإسلام عجز عن تغيير العقول الجاهلة التي كانت أسيرة لسلوكيات خاطئة رغم معرفتها بالصواب. إذا سيطر الجهل على النفس المتعلمة، فهذا تخلف وانحطاط.. وهذا ما أصاب العرب.. وسيستمر هذا الانحطاط.. لأن الجميع يحاول إخضاع الإسلام لجهله.. لم يعملوا ليكون الإسلام منفذا.. ومنقذا نحو التغيير الحضاري المطلوب. حتى العلاقات بين الناس تحولت من العلاقة المنطقية إلى العلاقة العاطفية.. انظروا إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم.. [أيها الناس.. إنما أهلك الذين قبلكم.. أنهم كانوا.. إذا *** فيهم الشريف تركوه.. وإذا *** فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد.. وأيم الله.. لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها].. دعوة عظيمة.. لعلاقة منطقية. سيادة الجهل رغم معرفة الحق.. حوّل مسار حياة هذه الأمم إلى الهلاك.. هذا النوع من الجهل هو السائد عربيا.. وسيظل.. إلى أن يتغير العقل.. ولكن من سيسمح بذلك؟!