كنت أرى كلمة كوول على زجاج السيارات , فاعتقد أنها تعني أن السيارة باردة أو منعشة , وخاصة إذا كانت فاخرة من أحدث طراز ( يا حظهم ) ولكني رحت أبحث عن معنى آخر للكلمة عندما رأيتها على سيارات ( نص عمر ) فوجدت أنها تعني الهادئ أو المنضبط النفس , فقلت لعلها صفة لصاحب السيارة نفسه , ثم زادت ثقافتي بمن هم أصغر مني , واصطدمت عيناي في كل مكان بالشباب الكول اللذين أصبحوا واقع لا مفر منه ! بل اعتادت عيوننا على منظرهم بعد أن استنكر الكثيرون ملابسهم ( البنطال المنخفض ) وشعرهم ( الكدش ) و الميوعة في تصرفاتهم , واذكر أني خجلت مرة عندما رأيت مجموعة منهم يحملون في أيديهم حافظات صغيرة للنقود ( ماركة مشهورة ) وقلت في نفسي لعل وجود جيب البنطال في مكان بعيد ( تحت الركبة من الخلف ) دفعهم إلى حملها بأيديهم . ولأننا مجتمع إسفنجي رائع , ومتعاون مع جميع الظواهر في أي مكان في العالم , فان ظاهرة الكول انتشرت عندنا وزادت فطالت البنات , وأصبح لدينا بنات كول ! يجدن في المدارس والمجتمعات المحدودة مرتعا خصبا للتظاهر بما تعلمنه أو يحاولن تقليده من أخريات كان لهن السبق في تقمص هذه الشخصية ( القشرية ) فأصبحن مجموعات يربط بين أفرادها الشبه الشديد في الشكل ( نفخة في مقدمة الشعر وبقيته منفوش وكأنه في عداء قديم مع المشط ) والتصرفات ( البطء الغريب في الكلام والحركة و إظهار اللامبالاة واصطناع النعومة والصوت المنخفض والحروف المكسرة المخلوطة بالأرقام وبعض المفردات الانجليزية التي تخرج بصفير مزعج لاستعراض الثقافة ( وتقدير مقبول تقبع في التقرير أمام مادة الانجليزي ) حتى يخيل للسامع أنهن غير عربيات ( ليس في الشكل طبعا ) تعددت شرائح الشباب والبنات في المجتمع , فهم يصنعون لأنفسهم مجتمعا داخل المجتمع , ويتخذون لهم لغة خاصة وسرية , فيزدادون بعدا عنا , في الظاهر يعيشون معنا .. وفي الحقيقة هم أبعد ما يكونون عن حياتنا الواقعية اليومية . يشعرون بالغربة بيننا ويعرفون تمام المعرفة أنهم يمثلون الحداثة المرفوضة , فيلجأون إلى الانفصام : شبح شخصية تدعي الانتماء للأسرة على مضض , وأخرى تنتمي للشلة بخجل . أنا لست ضد التغيير , ولا ضد أناقة الفتاة ( الكيوت ) التي تملك قيما وانتماء لواقعها وتعاصر الموضة المناسبة , ولكني أخشى أن تتحول إلى الفتاة الكول التي تتأفف طوال الوقت من أسرتها , وتتخاصم مع والدتها حول ما ترتديه من ( غرائب ) بل وتجرجرها خلفها في الأسواق باحثة لاهثة عن لباس يؤكد لمن يراها هوية (المذهب الكولي الذي تعتنقه ) تتلفت خائفة حتى لا ترى إحداهن أمها ( المختلفة ) وتسرع الخطا مبتعدة عنها و ولكنها لا تطيق البعد عن شبيهاتها , فيركضن وراء تقليد بعضهن , ويدرن في حلقة مفرغة ضاقت عليهن فاختنقن بها . وفي وقت ما سوف تتحول ميزة الكول من صفة للشهرة والتفاخر إلى وصمة عار تجعل البنات الكول منبوذات في المجتمع , ولكني أخشى أن تنبذهن ظاهرة جديدة أخرى تأخذ بأيدي الأخريات إلى الهاوية .