يُحكى أن نصّاباً خرج إلى قرية نائية وعرض على سكانها شراء كل حمار لديهم بعشرة ريالات. فباع عدد كبير منهم حميرهم. ثم رفع الرجل السعر إلى 15 ريالاً، وباع آخرون ما لديهم. وبقي البعض متردداً حتى رفع النصَّاب السعر إلى 30 ريالاً وسال لعاب البقية وباعوه ماتبقى وخلت القرية من الحمير. عندها قدم عرضاً جديداً وقال لهم سأشتري الحمار بخمسين إذا أحضرتم أعداداً أخرى من الحمير. • قرر الهامورالذهاب إلى مزرعة خارج القرية لقضاء بعض الوقت، وأرسل مبعوثاً لأهل القرية، وعرض عليهم أن يبيعهم مجموعة من الحمير بأربعين ريالاً للحمار الواحد. فقرروا جميعاً الشراء طمعاً منهم في بيعها بخمسين دون أن يعلموا أنها حميرهم السابقة. حتى يحصلوا على الثمن الأعلى من زبونهم السابق، لدرجة أنهم دفعوا كل مدخراتهم واستدانوا من صندوق القرية. وانتظروا عودة الهامور، ولكنه ذهب دون رجعة فخسروا أموالهم وتضاعفت ديونهم. • هذه الأسطورة تذكرني بما نعيشه هذه الأيام مع شائعة «مكائن الخياطة» التي انساق وراءها السذّج بحثاً عن الثراء السريع لهثاً خلف الشائعات التي لا يقبلها عقل ولا يصدّقها ذو لب. • قبل عدة أشهر تهافتت النساء على محلات العطارة لشراء حشرة القمل بعد أن سرت شائعة تقول إن القمل علاج يمنع حدوث الجلطات، وينعّم الشعر ويطيله، ويمتص الدم الفاسد الذي يؤثر على نضارة الوجه وحيوية الخدود! وبقدرة قادر وصل سعر القملة إلى 150 ريالاً، تخيّلوا أن هذه الحشرة التي كانت رمزاً للقرف والتقزز والقذارة أصبحت محل اهتمام المجتمع ومصدر الجمال فيه رغم أننا نعيش في الألفية الثالثة!! • تذكّروا هوامير البيض، وسوا، وبترول العراق، والبورصة، والمساهمات العقارية، وتلك الاستثمارات الوهمية التي انقادت إليها القطعان طمعاً في الثراء، وكانت نتيجتها ان 24% من السكان أصبحوا تحت خط الفقر، ويقفون على أعتاب الضمان والجمعيات والبنوك بحثاً عن قرض أو مساعدة. • في نظري أن هذه الظواهر تحتاج إلى تدخل الجامعات ومراكز الأبحاث لتحديد الأسباب والحلول، وسبل الوقاية، ربما كان الجهل أو الفقر أو أسباب أخرى لا نعلمها هي دافع الناس لهذا الانقياد المحموم خلف سراب الثراء المزعوم. • وبما أننا لازلنا نعيش في أكذوبة مكائن الخياطة والزئبق الأحمر، وللحد من الضحايا أرى أن تتدخل فروع التجارة والبلديات والشرطة لمنع وإيقاف بيعها في الأسواق العامة، وحراج الخردة في كل مدينة وحاضرة حتى لا يسقط المزيد من الضحايا. فالقائمة لم تعد تتسع لفقراء ولا مديونين، ولا يمكن لمستشفيات الصحة النفسية استقبال حالات أخرى. فقد استنفدت كل طاقتها الاستيعابية.. ويا أمان الخائفين.