** عبر السنوات الماضية كنا نسمع من عدد من الناس فرادى وجماعات في المجالس الصغيرة وفي الجلسات الكبيرة، كنا نسمع من يقول انه صار يتأذى من صوت مكبرات الصوت للمساجد، وكان أحدنا نحن الكتاب لا يجرؤ على نقل هذه المعاناة بشكل واضح وجهوري وصريح ضمن مقال له، أو تقرير صحفي، لسببين، الأول أن الكثير من الاخوة في مجتمعنا إذا وجد من يناقش او ينقل ملاحظة مثل هذه اتهم مباشرة في سلامة إيمانه وخبث نيتهن باعتبار أننا درجنا كنوع من التربية على أنه لا وسط في المسائل عندنا فإما صحيح كامل الصحة، واما خطأ كامل الخطأ. ** اما السبب الثاني الذي جعلنا نحجم عن نقل مثل هذه الملحوظات، فهو خشيتنا من عواقب الأمور التي لا تأتي غالباً في صالح كل من ينتقد شيئاً له علاقة بالشأن الديني، وكأن العاملين في هذا الميدان لا يأتيهم الباطل من بين يديهم ولا من خلفهم، وأنهم كاملون مكملون. حتى إذا ما جاء معالي وزير الشؤون الإسلامية الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ قبل أيام، وأعلنها صريحة للجميع - كما نشر في الصحف - من أن أصوات مكبرات الصوت في المساجد أصبحت مزعجة. ** واستطيع ان اقول انني اقتربت من معالي الوزير آل الشيخ في جلسات محدودة، كان من بينها جلسة مع خطباء وائمة مساجد جدة، وعشنا ليلتها واحدة من امتع السهرات مع معاليه، وهو يمتطي صهوة الحديث المؤصل والواعي والماتع والمقنع، بعد ان فسر لنا وقتها عدداً من الجوانب الايمانية المشرقة في سورة الكهف، والتي لو تحدث غيره لما بلغ معشار اسلوب معاليه، في هدوء الخطاب، وروعة العرض، وعبقرية الاستنباط، وجماليات الاقناع، وكم اسفت وقتها لانني لم اسجل تلك الكلمة، لاستمع لها فيما بعد مرات ومرات، لفرط اعجابي الشديد بهذا النوع من الخطاب الديني الواعي لمعاليه، وعندما اسررت باعجابي لحديث الشيخ صالح لمن كان يجاورني، زادني ان معاليه كم اشرف على رسائل دكتوراه كثيرة لطلبة اكاديميين في جامعاتنا قادهم حظهم الجميل الى فقيه واع مثله، اضاف لهم الكثير من خلقه اولاً، ثم من علمه وبصيرته. ** وإنني في واقع الامر اتمنى من قلبي لو يستفيد الكثير من خطباء مساجدنا وائمتها من فكر وزيرهم، ومن وعيه، ومن منهجه الخطابي الهادي والواعي والمؤصل، والذي يباشر القلوب، ويتحول مباشرة الى قناعات ومواقف واساليب على ارض الميدان، فإن رجالا موفقون بهذه المثابة، لهم في الواقع منارات هدى، وسبيل ممهد للوصول الى الهداية والخير، بدلا من الاساليب الخطابية التي يمارسها البعض في صياح وهياج وعدم بصيرة، ومصادمة للمشاعر، ويكون من ثمرتها ما اخشى ان يتحول والعياذ بالله الى صد عن سبيل الله دون ان يشعر صاحب الخطاب بفداحة ما اقدم عليه امام مجموع الناس. ** وبالمناسبة فإنني اتذكر في غير مرة قد نصحت بهدوء عددا من ائمة بعض المساجد، التي تكون منارة المسجد وميكرفوناتها تلاصق شبابيك العمارات، من ان يخفضوا اصواتها قليلا، رأفة بمن في البيوت من النساء والاطفال والمرضى، فكنت اجد استجابات ضئيلة تبدو على ملامح من تحدثت معهم، وعبوساً من الكثيرين بل وعلامات شك في ايماني ونيتي، كنت اقرأها من نظرات عيونهم نحوي. ** لقد كان بإمكان كل امام مسجد ان يعرف من تلقاء نفسه اين هي المصلحة، فيخفض صوت المكبرات بما يفي بالغرض، لكن لان احدا منهم لم يستجب فقد جاء القرار رسميا الآن من الوزير، وسيطبق على الجميع، واريد هنا ان انبه في ختام هذه السطور الى اسلوب خطبةالجمعة، بعد ان لاحظنا ان عدد من الخطباء وكذلك الذين يلقون كلمات وعظية بعد الصلاة، الى ضرورة تطوير خطابهم الديني اسلوباً وعمقاً ومعالجة تتوافق مع المصلحة، ولا تخلق ازدواجية في فهوم الناس، بين ما هو خطاب اعتدال ووسطية وبين ما هو مغالاة، وذلك قبل ان يصل الامر الى تقنين هذه المسألة، كما قننت مكبرات الصوت، فهل يستجيب اخواننا الخطباء والدعاة؟!!