مكانة السنَّة د. أحمد بن صالح الزهراني * اشتهر عند كثير من النّاس -أو هكذا خُيّل لهم- أنّ الفقيه الفذّ هو ذلك الّذي لديه القدرة على التنصّل من النصوص الشّرعيّة، ولهذا تجد بعض النّاس يعظّم من لديه قدرة على الالتفاف على النص، ويصفه بالفهم والفقه أكثر من العالم الّذي يقول بدلالتهما الظاهرة، وهذا من البلايا عند أئمّة الفقه من السلف والخلف، إذ الواجب على المسلم والفقيه العالم على وجه الخصوص أن يوقّر كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، والمراد بذلك تقديم دلالتهما الظاهرة على كلّ دلالة، وعدم الزّيغ عن حكم الكتاب والسّنّة الواضح المباشر إلى فلسفة فقهية عقيمة هدفها النهائي ترك حكم الكتاب والسنّة إلى آراء فقهية لا مستند لها إلاّ النّظر العقلي، أو التسمّح مع الجمهور إلى يُسمّى اليوم فقه التيسير، وهذا من سمات فقه السّلف، أعني التزام ظاهر دلالة النص، فلا يقدّمون دليلاً أو حكمًا بين يدي الكتاب والسّنّة، بل لا يجاوزونهما إلاّ إذا أعيت أحدهم الحيلة في استنباط الحكم منهما. قال الفضيل بن عياض: «إنّما الفقيه الّذي إن قال قال بالكتاب والسّنّة، وإن سكتَ سكت بالكتاب والسّنّة». قال الرّبيع بن سليمان: سمعت الشّافعي يقول وسأله رجل عن مسألة فقال: يُروى عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: كذا وكذا، فقال له السّائل:يا أبا عبدالله أتقول بهذا؟ فارتعد الشّافعي، واصفرّ وتغيّر لونه، وقال: «ويحك، أيُّ أرضٍ تقلّني وأيّ سماءٍ تظلّني إذا رويت عن رسول الله شيئًا فلم أقُل به! نعم على الرّأس والعين». كانت السّنّة في حياة السلّف قضيّةٌ لها شأن، ليست مسوحًا يتمسّحون بها إن كانت لأهوائهم، وإن خالفتها أداروا لها ظهورهم، وهذا أقوله لأنّ هناك مرضًا عضالاً يفتك بنا في الحقيقة، ونحن لا نشعر، ولهذا لا يُبارك لنا في علمنا كثيرًا، ولا ننتفع به، فنحن -إلا مَن رحم ربّك- نطير بالسّنّة عاليًا ونرفع بها عقيرتنا إذا كان فيها ما يخدم مصلحتنا، وإذا كانت أهواؤنا تسير في الاتّجاه المعاكس تنصّلنا من السّنّة، وتأوّلنا حتّى لا نطبّقها، ولم يكن دأب فقهاء السّلف هكذا، بل السّنّةُ سنّةٌ في الرّخاء والشّدّة. وممّا يروى من حرص الإمام أحمد على السّنّة ما رواه ابن هانئ قال: «اختفى أبو عبدالله عندي ثلاثًا، ثمّ قال : اطلب لي موضعًا، قلتُ : لا آمنُ عليك، قال: اِفعلْ، فإذا فعلتَ أفدْتُك، فطلبتُ له موضعًا، فلمّا خرج قال: «اختفى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الغار ثلاثة أيّام ثمّ تحوّل، وليس ينبغي أن تُتبع سنّةُ رسول الله في الرّخاء، وتُترك في الشّدّة ». _________________ * كاتب بصحيفة \"المدينة\" السعودية0