المسلم الموفق هو الذي يوفقه المولى عز وجل في اختيار الزوجة الصالحة التي تدخل عليه وعلى أهله السعادة والسرور وتعينه على أداء رسالته في الحياة، وقد وصفها الحق سبحانه وتعالى في قوله: ( فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ) أي لما يجب حفظه عند غيبة أزواجهن عنهن من حفظ نفوسهن وحفظ أموالهم وذلك بحفظ الله لهن ومعونته وتسديده أو الحافظات له بما استحفظهن من أداء الأمانة إلى أزواجهن على الوجه الذي أمر الله به، أو الحافظات له بحفظ الله لهن بما أوصى به الأزواج في شأنهن من حيث العشرة وعدم إفشاء أسرارهن ولاشك أن الخصال الجالبة للسعادة والمطيبة للعيش في الزوجة أن تكون ذات دين وخلق وحسن وخفة مهر، والأولى أن تكون صالحة ذات دين. فإنها إن كانت ضعيفة الدين في صيانة نفسها أزرت بزوجها وسودت بين الناس وجهه وشوشت بالغيرة قلبه فتنغص بذلك عيشه فإن سلك سبيل الحمية والغيرة لم يزل في بلاء ومحنة وإن سلك سبيل التساهل كان متهاونا بدينه وعرضه ومنسوبا إلى قلة الحمية والأنفة، وإذا كانت مع الفساد جميلة كان بلاؤها أشد، إذ يشق على الزوج مفارقتها فلا يصبر عنها ولا يصبر عليها. وإن كانت الزوجة ضعيفة الدين استهلكت ماله وكان عيشه مشوشا، فإن شكت ولم ينكر، كان شريكا في المعصية مخالفا لقوله تعالى: (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) وإن أنكر وخاصم أو هجر تنغص عليه حياته العمر ولهذا بالغ الرسول صلى الله عليه وسلم في التحريض على ذات الدين فقال تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك وبالغ في الحث علي ذات الدين لكي تكون عونا لزوجها على الدين، إنها النظرة النبوية الهادية إلى شخصية المرأة التي تستطيع أن تهب الرجل السعادة والسكينة والاستقرار ولذلك أوصى بالمرأة خيراً فقال: (استوصوا بالنساء خيرا) ومن صفات الصالحات، القنوت أي السكون والطاعة لله تعالى وكذا لأزواجهن بالمعروف وحفظ الغيب. روى ابن جرير والبيهقي من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خير النساء إذا نظرت إليها سرتك وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها والغيب هنا ما يستحي من إظهاره، أي حافظات لكل ما هو خاص بأمور الزوجية الخاصة بالزوجين. ويدخل في قوله هذا وجوب كتمان كل ما يكون بينهن وبين أزواجهن في الخلوة ولا سيما حديث الرفث فما بالك بحفظ العرض فالمرأة الصالحة حافظات للغيب بحفظ الله أي بالحفظ الذي يؤتيهن الله إياه بصلاحهن، فإن الصالحة يكون لها من مراقبة الله تعالى وتقواه ما يجعلها محفوظة من الخيانة قوية على حفظ الأمانة أو حافظات له بسبب أمر الله بحفظه فهن يطعنه ويعصين الهوى، فعسى هذا القول يصل إلى نساء عصرنا اللواتي يتفكهن بإفشاء أسرار الزوجية ولا يحفظن الغيب فيها وحفظ الأسرار دليل على قوة الشخصية ومتانة خلقها، وهذا ما كان عليه صفوة رجال الإسلام ونشأته ممن ارتشفوا رحيق الهدي النبوي الكريم. إن إفشاء الأسرار هو لمن أسوأ العادات التي يبتلى بها الإنسان ذلك أن ليس كل ما يعلم يقال في هذه الحياة، فهناك أمور تقضي الرجولة والمروءة والشرف والغيرة أن تبقى في طي الكتمان. قيل لبعض الأدباء كيف حفظك السر؟ قال أنا قبره، وقد قيل: صدور الأحرار قبور الأسرار. وقيل: إن قلب الأحمق في فيه ولسان العاقل في قلبه أي لا يستطيع الأحمق إخفاء ما في نفسه فيبديه من حيث لا يدري به. روى عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر أحدهما سر صاحبه. وفي رواية: إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها.(رواه مسلم وأبو داود وغيرهما)