** مع الغروب.. تصفو القلوب وتسمو الأرواح!.. مناجاة وذكر ودعاء.. انها لحظات إيجابية رائعة.. ويعطر الزمان والمكان صوت الحق لتهفو الأنفس الممسكة لفرحة فطرها. ** لحظة صفاء روحاني وكم بودك أن تستطيل لتغسل هذه الأرواح أدواءها وهمومها في أنهر الطهر والصفاء. لكن نوازع البشر تتخطفنا وتأخذنا إلى الطرف الآخر بأسرع مما نود وكأننا نتمثل حقيقة حياتنا ما بين صراع الروح والجسد. يجسد هذا ذلك الانعتاق السريع في حالة تشبه الاغتراب أو الانكسار ما بين وقتين.. (قبل) و(بعد) الغروب لا يفصلهما إلا دقائق معدودة!! * بعد الغروب.. بعضنا يمثل حكاية مشاهدة مثيرة.. انه يسابق نفسه ليتسمر أمام شاشات التلفزيون وتبدأ لعبة (الريموت والفضاء).. هذه القناة؟.. تلك؟ وتستمر اللعبة!! * القنوات الفضائية هي الأخرى بدورها لم تبخل على هذا المشاهد بعد أن صنعت منه (عميلاً) مميزاً ودائماً فأتخمته حتى النخاع بالمسلسلات والبرامج والمسابقات!! ولن استقرئ كل ما يعرض ولكن سأختص (هنا) الكوميديا السعودية وانعكاساتها على الشأن الاجتماعي السعودي أو العكس باعتبار أن هذه الكوميديا بالنسبة لنا كسعوديين تعني الكثير من الخصوصية بسبب الانتماء وبسبب الشخصية المحلية وبسبب فرضية ارتباط النصوص بنا وبواقع حياتنا السعودية!! هذه العوامل أوجدت مساحة من المشاهدة والمتابعة من الأسر بمختلف أعمارهم داخل البيوت السعودية!! ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن سريعاً، هل استطاعت الكوميديا السعودية ملامسة واقعهم فعلاً بكل ما فيه من شؤون وشجون؟؟! ودعوني استنسخ منه سؤالا آخر، هل وجد السعودي (ذاته) داخل قوالب هذه الكوميديا؟؟!! الإجابة: لا.. و(لا) هذه تعني أنها لم تلامس واقع الحياة السعودية بكل ما فيها من ازمات وقضايا وجوانب مختلفة! المواطن السعودي كان يتوقع أن يجد الكثير من أزماته كالماء والكهرباء والغلاء والفساد والعنف الأسري وغيرها من القضايا هي محور كل هذه الأعمال! ولكن شيئاً من هذا لم يحدث وطالما هي لم تعالج واقع الحياة السعودية فنياً لن أجد ذاتي كسعودي بداخلها!! ** شخصياً كنت أتوقع أن يكون هذا العام من أكثر أعوام الكوميديا السعودية الرمضانية نجاحاً وثراءً!! أتدرون لماذا؟ لأنه عام حافل بالكثير من التطورات والمتغيرات والمظاهر التي (تطفح) بها صحافتنا يومياً.. وكنت أتوقع أن يجد الفنانون ضالتهم في هذه القضايا بل وكنت أظن بأن (امخاخهم) ستتعب من كثرة الاختيار والمفاضلة ما بين المواضيع أيها المهم وأيها الأهم؟ لكن (أمخاخ) الجماعة يبدو أنها (زحلطن) على لغة مفرح فتجاوزت (العمق) في حياتنا إلى (سطحية) باهتة كل ما فيها هو تهريج في تهريج!! وبالتالي فإن الكوميديا السعودية فشلت في استغلال وخصوصية الحياة السعودية!! بل واصبحت هذه الكوميديا محسوبة علينا لا لنا وثقوا بأننا نخسر معها كثيراً، والخسارة التي أعنيها هي خسارة سمعة وطن وخسارة سمعة مواطن!! فنحن عندما نقدم أعمالاً على هكذا مستوى من التسطيح والهيافة في الفكر والرؤية والمنظور فإننا نعطي انطباعاً بأن ثقافتنا مأزومة وأننا نعيش حالة ثقافية متدنية بدليل هذا الهبوط الذي تقدمه كوميديا التهريج وفي هذا خدش للوجه الحقيقي لحراكنا الثقافي!! * هذه ناحية أما الناحية الأخرى والتي هي بمثابة (طامة) فإننا نزحنا برقع الحياء ووصلنا إلى درجة الابتذال والسفاهة وكأن (التهريج) وحده لا يكفي!! شاهدنا عبارة المالكي السيئة التي لا تنم فقط عن سلوكيات غير مسؤولة بقدر ما تمثل استخفافاً بأخلاقيات وقيم الشعب الذي ينتمي إليه!! ثم اتبعه ناصر القصبي بتصوير ما يمكن أن يعرف (بالشذوذ).. تصوروا إلى أين وصلنا في السفاهة؟؟ وحتى وإن جاءت هذه المشاهد من باب “إن بعض الظن إثم” فإن ذلك غير مقبول لا دينا ولا خلقاً. ويبدو أن المالكي والقصبي الذين تجردوا من كل مفاهيم (القيمة الخلقية) في تلك المشاهد الجارحة نسوا وطنهم وأهلهم ونسو تلك الأسر بمختلف الأعمار التي تشاهدهم وما يمكن أن يحدثوه من تأثير عليهم؟! وقبل ذلك نسوا الوازع الديني!! إن هذه الإساءة تحدث للمرة الأولى في الكوميديا السعودية وأرجو أن تكون المرة الأخيرة لأنها ظاهرة خطيرة جداً وإذا قبلنا التهريج فلن نقبل الإسفاف!! وعلى أولئك وغيرهم أن يفهموا حقيقة الصورة (الملتزمة) للشعب السعودي وأن يقفوا عند حدودها ويحترموها تماماً!! ومن تجاوز فيجب أن يحاسب بشدة!! ** أما الناحية الثالثة فهي لاتقل كارثية!! وذلك أننا نكرس لصورة نمطية سيئة نقدمها وكأنها هذه هي صورة المواطن السعودي. في كل الكوميديا السعودية هذا العام لا تجد إلا الأنموذج (الساذج) أو (الدلخ) وكأن الوطن خلا من كل مواطنيه الأسوياء ولم يبق إلا سذج ودلوخ!! أو كأن استجداء الضحك في ظل هذا التهريج لا يأتي إلا من خلال (دلخ) نضخمه ونجعله الأنموذج الذي نصفق له وعليه. حتى المسلسلات المصرية تجاوزت خطيئة (الصعيدي العبيط) و(الصعيدي الأهبل) فهل سترثونها أنتم على طريقة (كبوها والمجانين استلقوها)!! * يا جماعة.. ارحمونا.. (ترون اللي فينا كافينا) فنحن لم نفق بعد من متاعب وتبعات تلك الصور المغلوطة عن (السعودي) في الخارج والتي تحصره ما بين مطرقة (الإرهاب) وسندان (الثري العابث) فهل تريدون (جمل الله حالكم) أن تضيفوا لها (السذاجة) و(الدلاخة)؟؟!! * وحتى لا نجد أعمالاً تسيء لنا أكثر مما تضحكنا ومن أجل (كوميديا) تحسب لنا لا علينا (قيمة وتوجهًا) فإني أطالب برقابة صارمة على كل الأعمال قبل عرضها!! خاتمة: تموت الرسالة الحقيقية للفن حيث يبدأ التهريج!! *************************** نائب رئيس التحرير سابقاً في صحيفة \"الندوة\" السعودية ، حالياً كاتب بصحيفة \"المدينة\" السعودية.