قال إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد في خطبة الجمعة إن الفقر في نظر الإسلام بلاء ومصيبة تعوذ منها ووجه بالسعي للتخلص منها. مشدداً على أن الدين يطارد الفقر بأحكامه وتشريعاته وتوجيهاته، وأنه ليس من الدين تحقير الأعمال اليدوية وبعض الحرف والمهن. وأكد أن الإسلام أقر حقوق الفقراء وضمنها وحفظها وحماها، ووجه بالدفاع عنها منذ أكثر من 14 قرناً، صيانة للمجتمع وحفظاً للأسر وإشاعة لروح الإخاء وسلامة للدين واستقامة للخلق. وقال: ليس في مدح الفقراء آية في كتاب الله ولا حديث صريح في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل لقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الفقر وجعله قريناً للكفر. وعرف الشيخ ابن حميد الفقر بأنه حال يكون معها المرء عاجزاً عن تلبية حاجاته من الغذاء والكساء والدواء والسكن والتعليم وفرص العمل. وقال أيضاً إن الفقر هو عدم الدخل أو نقص فيه يعجز معه الفقير عن تحقيق متطلباته من العيش اللائق بكرامة وحسن رعاية. وأضاف أن من حق الفقير أن يتهيأ له مستوى من المعيشة ملائم لحاله، تعينه على أداء فرائض الله وأعباء الحياة وتقيه من الفاقة والحرمان. وقال إن حل هذه المشكلة وعلاجها وتقليل أثرها تؤكده توجيهات ديننا بمطالبة كل مسلم قادر بالعمل، كما لا بد من إيجاد فرص العمل، فالعمل هو الوسيلة الأولى والسلاح الوضاء بإذن الله للقضاء على هذه المشكلة. وأضاف أن العمل في الإسلام عبادة، وما تعدد نفعه وامتد أثره فهو أفضل عند الله وأزكى مما كان قاصراً نفعه على صاحبه. وأبواب العمل مفتوحة في الإسلام على كل مصاريعها، يختار منها الراغب ما يلاءم قدرته وكفاءته وخبرته وموهبته. وتحدث الشيخ ابن حميد عن بعض النقاط التي وصفها ب"نظرات حول العمل عند بعض الناس". وأوضح أن النظرة الأولى موقف قاصر ضارب جذوره منذ أيام الجاهلية الأولى إلى عصرنا هذا مع الأسف، ذلك هو الاستهانة بالعمل أو ببعض أنواع العمل، ولاسيما عند العرب الذين يحتقرون الأعمال اليدوية وبعض الحرف والمهن، وهذا ليس من الدين ولا من الأصالة ولا العقل الراجح. وقال إن الدين رفع قيمة العمل أياً كان نوعه من وجوه الكسب الحلال، ونهى وحذر وشنع عن البطالة والعجز والاتكال على الآخرين، فكل كسب حلال فهو عمل شريف عظيم مأجور صاحبه. أما النظرة الثانية فهي أن من الناس من يدع العمل لأنه لم يتيسر له في بلده أو عند أهله فيؤثر البطالة والحاجة والحرمان على السعي والسعة. وقال: نحن في هذه البلاد الطيبة المباركة يفد إلينا إخوان لنا من بلاد شقيقة وصديقة، وفدوا إلينا من أصقاع الدنيا يسهمون معنا في بناء بلدنا وإعمارها، ويسعون ويكدون من أجل أهليهم وأطفالهم فعلى الرحب والسعة. وكم نسعد حين نرى أبناءنا يشاركونهم وينافسونهم التنافس الشريف.
وأما النظرة الثالثة فتتعلق بفئة من الناس يزهدون في العمل معتمدين على الصدقات والزكوات والتبرعات والمعطيات، وقد يتزلف متزلف لدى الأغنياء والوجهاء والكبراء أشبه بالمتسول والشحاذ، لتكون يده هي السفلى يستجدي المنح والعطايا، قوي قادر لا تحل له الصدقات ولا الزكوات. وقال الشيخ ابن حميد إن الإسلام لم يجعل لمتبطل كسول حقاً في صدقات المسلمين وإحسانهم، وما ذلك إلا ليدفع القادر إلى العمل والكسب الحلال، وما فتح عبد على نفسه باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر. وأوضح أن على الدولة في الإسلام مسؤوليتها في تهيئة فرص العمل وطرق المعاش وإيجاد الوسائل والتجهيزات والإعدادات. وقال إن وظيفة الدولة في دين الإسلام وظيفة إيجابية واسعة شاملة، وظيفتها حماية الذين يملكون والذين لا يملكون. وأضاف أن الدولة تحقق العدل وتدعو إلى الخير وتتخذ من الأساليب والوسائل والإجراءات ما يعالج الفقر ويخفف آثاره، ويضمن العيش الكريم لكل محتاج. وقال إمام وخطيب المسجد الحرام: "هذا ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين حفظه الله وأعزه وأمد في عمره على طاعته، فقد جعل الإصلاح شعار حكمه، كان من أحد معالم مسيرته الإصلاحية المظفرة تفقده لبعض أحياء الفقراء ومساكنهم، ليقف على صور المعاناة، ثم أتبع ذلك بقرارات وسياسات وإنشاء مؤسسات تتولى معالجة ذلك، وأصدر توجيهاته لرجال الدولة لتنفيذ ذلك ومتابعته".