كشفت صحيفة "السياسة" الكويتية أمس الاثنين عن تفاصيل عملية نصب كبيرة، قامت بها عصابة من بوركينا فاسو، ووقع ضحيتها أشخاص عدة من السعودية والكويت والإمارات. وذكرت الصحيفة أن الضحايا كانوا يبحثون عن الثراء السريع عبر شراء الذهب. مشيرة إلى أن العصابة اخترقت مطارات وجمارك السعودية والكويت والإمارات. وقالت الصحيفة: فيما يشبه أفلام الخيال، ولكنه حتما حقيقة، شقّت العصابة الثلاثية السمراء طريقها الممهد إلى بلدان الخليج حاملة معها أكذوبة اقتناء الذهب الخام بأبخس الأثمان، وتحت شعار "اختصار المسافة نحو الثراء السريع"، وبأسلوب رسمي قانوني، حسب ادعاء مدبر خططها وزعيمها البوركيني الجنسية "محمد تراوري"، وبإلقاء طعم من العينات الذهبية المسبوكة للزبائن المستدرَجين؛ دليلاً على مشروعية هذه التجارة من جهة، ولدفع العالقين في تلك الشباك من جهة أخرى إلى المصيدة الكبرى لنهب نقودهم المعدّة لهم سلفاً في عاصمة بوركينا فاسو "واغادوغو"، وسط مظاهر وإجراءات مدروسة على طريقة التمثيل المحترف وتوزيع أدوار مشاهد الاحتيال والنصب منذ الاستقبال في المطار حتى التوديع المأساوي. وقد برع مثلث بيع الأوهام الذهبية "محمد تراوري وزونغا وطاهر تال" في إخفاء آثار لصوصيتهم وتدليسهم على ضحاياهم الكويتيين والسعوديين والإماراتيين زمناً طويلاً بفضل عبقريتهم القائمة على التغيير المستمر لوسطائهم وأرقام هواتفهم النقالة وأماكن إقامتهم وسيناريوهات نصب كمائنهم، ولاسيما إذا برزت علامات استفهام مريبة تجاههم، غير أن اللص لا بد أن يترك آثاراً للجريمة ولو بعد حين، مهما بلغت محاذيره وتضليلاته مداها. وكشف مصدر متضرر من عصابة تراوري عن "أسرار خطيرة حول طرق هؤلاء اللصوص في تهريب الذهب المسروق والمغشوش إلى بعض دول الخليج بمساعدة مواطنين لديهم القدرة على تمرير ما يشاؤون من الممنوعات والمحظورات عبر معارف لهم في الجمارك الجوية، شريطة ألا تزيد كمية الذهب المهرَّب على ثلاثة كيلوات حداً أقصى، وعلى فترات متباعدة، وبتنسيق مسبق يخطر بموجبه موظف الجمارك المسؤول أو المناوب باسم المسافر القادم وهويته ونوع الطيران المقل له ووقت وصوله؛ حتى يتاح له انتشال البضاعة بعيداً عن الإجراءات الرسمية والقانونية التي تشترط توافر شهادات منشأ أصلية ومصدّقة وفواتير حقيقية ومختومة، فضلاً عن الرسوم المقررة على الواردات من المعادن الثمينة". المصدر نفسه أكد أن ثلاثي المتاجرة بكنوز الذهب المزعومة يدير عملياته من منزل سكني في أحد أحياء العاصمة البوركينية "واغادوغو"، ويتناوب على حراسته من داخل أسواره مسلحون مدنيون، ويوجد فيه مكاتب عمل إدارية ووسائل اتصال حديثة وموازين لوزن الذهب وكميات من سبائك الذهب المصبوبة على هيئة قوالب خام وعشرات الكيلوات من "رمل الذهب" قليل منه حقيقي وأكثره مزيف، جُلب من معامل متخصصة في عجن وتصنيع مشتقات معدنية مضروبة وخادعة شبيهة في بريقها وملمسها وهيئتها من منتوجات الذهب الحقيقية، في حين تقوم العصابة أيضاً بالسطو على عمال المناجم المنهكين وسلب ما يستطيعون مما ينتجون من سبائك ذهبية، وفي حالات نادرة يشترونها منهم بمبالغ زهيدة جداً، ولكنهم في غالب الأحوال يلجؤون إلى "الذهب المضروب". وأضاف المصدر أن العصابة تستعمل اسماً وهمياً لشركة تعمل في مجال التنقيب عن الذهب وتستخدم فواتير وسندات قبض نقدية وأختاماً مزورة، وتشيع للمتعاملين معها أنها متعاقدة رسمياً مع الحكومة البوركينية للقيام بمهمة استخراج الذهب من عدد من المناجم بناء على ترخيص قانوني من الجهات المعنية في الدولة، وتوهم زبائنها بإمكانية بيعهم الذهب البوركيني بنصف الأسعار المتداولة في أسواق الذهب الخليجية لسببين أساسيين هما: استعمالهم للتنقيب اليدوي غير المكلف الذي من شأنه خفض كلفة الإنتاج، وكذلك محدودية نشاط بيع الذهب داخل أسواق بوركينا فاسو المحلية؛ نظرا إلى شح السيولة النقدية وتفشي مظاهر الفقر وانتشار الأمراض والأوبئة؛ ما يعني توجيه الأموال نحو الاحتياجات الأساسية. وقال المتضرر إن اللصوص الثلاثة يتبعون تكتيكات عملية محسوبة وقابلة للتغيير متى ما استدعت الظروف المستجدة ذلك، وأنهم يعملون على مسارات مختلفة، تبدأ أولا باستخراج "كارت زيارة" يمكنهم من تهريب عينات من سبائك الذهب الحقيقية وبيعها في بعض أسواق الذهب الخليجية بمساعدة مواطنين خليجيين يتلقون بدورهم مكافأة من القطع الذهبية، ثم تأتي الخطوة الثانية بإغراء الأطراف التي اشترت تلك القوالب الذهبية بإبرام "صفقة العمر"، وهذه المرة في بوركينا فاسو، على أن تكون المرحلة النهائية هي سحب أقدام الزبون أو من يمثله إلى هناك ومعه كامل أموال صفقة بيع الوهم التي تجري أحداثها في مشاهد فيلمية تمثيلية متقنة لا مجال فيها لإساءة الظن أو التشكيك أو الخديعة؛ حيث يقوم أفراد العصابة بإبراز شهادات المنشأ للبضاعة وفواتير بيع مختومة وتوضع كميات الذهب المتفق عليها في حقيبة قماشية بعد وزنها ومعاينتها من قِبل المشتري، ثم ترص بجوانبها وأسفل منها قطع مبلورة من صابون اليد حتى لا تكون السبائك الذهبية عرضة للانزلاق والتبعثر أخذاً بنصيحة أهل الخبرة والاختصاص، ثم تمضي العصابة بمعية المشتري المغادر لمطار بوركينا فاسو وقد اطمأن الجميع على رؤية حقيبة الذهب تقطع مشوارها بين أجهزة الفحص ورجال أمن المطار دون عرقلة أو ارتياب وصولاً إلى نقطة شحنها إلى الطائرة التي يغادر على متنها مبرم تلك الصفقة الكارثية، وما هي إلا ساعات ويهبط الركاب ومن بينهم العائد معهم المتلهف لإنهاء إجراءات حقيبة الذهب الجمركية ليفاجأ حين فتحها بعدم وجود أي قطعة ذهبية أو أوراق رسمية من شهادات منشأ وفواتير كانت موضوعة مع تلك البضاعة، وأن حقيبة الذهب أصبحت حقيبة معبأة بصابون غسيل اليد؛ ما يعني أن خفة اليد والتضليل لعبا دوراً حاسماً في استبدال بحقيبة الذهب أخرى شبيهة بها ولكنها مملوءة بالصابون! وأوضح المصدر أن العصابة اخترقت مطارات وجمارك الكويت والسعودية ودبي من خلال وسيطها ومهرب تجارتها الكاذبة "طاهر تال"، الذي اعتمدت عليه بشكل مكثف في الآونة الأخيرة لقدرته على إتقان عمليات النصب من دون مشكلات أو ملاحقات، وأن المسمى "تال" دخل الكويت ثلاث مرات "وباع خلال وجوده فيها سبائك ذهبية مسروقة من المناجم البوركينية من عيار 22 بمساعدة مواطن كويتي مكّنه من تهريب تلك الكميات بمنأى عن تطبيق القوانين، ولكنه سرعان ما انكشف أمره بعد نصبه على مؤسسة ذهب محلية خاصة استطاع أن يوهم مندوبها الذي استدرج إلى بوركينا فاسو لإتمام بيع خمسة كيلوات من الذهب الخام من عيار 22 بمبلغ 20 ألف دولار للكيلو الواحد، وكان الطرفان قد اتفقا على إمضائهما هناك بحجة أن الحكومة البوركينية لا تسمح قوانينها وإجراءاتها بتصدير شحنات من الذهب المصبوب تقل عن خمسة كيلوات. وأضاف المصدر أن "طاهر تال" استقبل مندوب الشركة الكويتية في مطار العاصمة "واغادوغو"، وبعد ثلاثة أيام من إقامته في أحد الفنادق، وفي صبيحة اليوم الذي ستغادر فيه طائرة المندوب إلى الكويت، اقتاده "طاهر تال" إلى منزل العصابة، حيث وجد في انتظاره رأس الأفعى "محمد تراوري" وذراعه اليمنى "زونغا" الذي يشرف على مهمات سرقة الذهب البوركيني واستيراد الذهب المزيف، وبعد القيام بواجب الضيافة اصطحب اللصوص الثلاثة (تراوري وزونغا وتال) المندوب إلى غرفة العمليات، وقاموا باستخراج كميات من السبائك الذهبية التي أُحكم لفُّها بأوراق خاصة، وقاموا بوزنها بميزان متطوّر، ثم وضعوها وسط حقيبة قماشية رُصَّ تحتها وعلى جوانبها وفوقها صابون يد متبلور، ثم وُضعت أوراق شهادات المنشأ والفواتير أعلى البضاعة، وأُغلقت الحقيبة، وانطلقت العصابة مع المندوب إلى المطار وقد اطمأن الأخير على سلامة الموقف، ورأى بأم عينيه حقيبة الذهب محمولة في السيارة، وعند الوصول إلى المطار حرص تراوري على تخليص إجراءات شحن حقيبة الذهب إلى الكويت وبمرأى ومسمع المندوب حتى انتهى الأمر إلى تمرير الحقيبة على الحزام المتحرك لنقل أمتعة المسافرين بسلاسة وهدوء! وأكمل المصدر: بعد أن حطت طائرة المندوب عجلاتها على مطار دولة الكويت قادمة من رحلة شاقة، مرّت خلالها بدول عدة، أخبر المندوب أحد موظفي الجمارك بوجود كميات من الذهب لديه في إحدى حقائبه وبداخلها الأوراق الرسمية الكفيلة باستيرادها، وما إن فتح الاثنان الحقيبة المقصودة حتى كانت الصدمة أشدّ وقعاً على المندوب الذي اكتشف أن الحقيبة لا يوجد فيها سوى صابون غسيل لليدين، وأن مبلغ ال 100 ألف دولار التي دُفعت راحت أدراج الرياح. وقال المصدر إن مالك الشركة الكويتية تابع عبثاً الاتصال بزعيم العصابة "محمد تراوري" والوسيط "طاهر تال" وتهديدهما قانونياً وملاحقتهما أمنياً، وهو ما دفع ثلاثي العصابة إلى تغيير هواتفهم النقالة وتواريهم عن الأنظار؛ حيث هرب "تال" إلى "توغو"، الدولة المجاورة لبوركينا فاسو، وغادر تراوري وزونغا منزليهما إلى أماكن أخرى. وعبّر المصدر المنكوب عن حجم ألمه، ليس فقط على ما فقده من أموال في صفقة بيع الأحلام مع العصابة الإفريقية، ولكن على سهولة اختراق مثل هؤلاء اللصوص وغيرهم العشرات بل المئات الدول الخليجية في ظل غياب الحزم الأمني والرقابة الجمركية الصارمة.