جاءني صوتُها عبر الهاتف مؤثراُ كأنها تحمل جبال الهموم فوق عاتقها الذي أنهكه الزمن؛ فلم تعد تقوى على السير، وتحدثت قائلة: بدأت مأساتي الحقيقية عقب تعرُّضي لحادث سيارةٍ في بداية زواجي أثّر في قدمي فأصبت بهشاشة العظام، وكنت أجلس في سيارة خاصة بالمقعدين، وفشلت العمليات الجراحية التي أجريتها في إصلاح ما أفسده الدهر، فاستسلمت لواقعي وأصبحت أسير على (عكازين). وتابعت حديثها: طلقني زوجي وكان الشارع رحيما بي أكثر منه، ثم شاهدني أهل الخير وعرضوا عليّ شقة للإيجار تأويني وأبنائي السبعة من غدر الزمن". توقفت عن الحديث وانتابتها نوبةُ بكاءٍ شديدة أدمت معها قلبي، ثم بصعوبة استكملت حديثها قائلة: ابتلاني الله بمرض أبنائي، فابنتي الكبرى تعاني ورماً في الرحم، وأجرت عملية لكنها لم تحقق النتائج المرجوة، وحاليا تعيش على المسكنات التي نصحها بها الطبيب..والحمد لله على كل شيء. وقالت لي: قد لا تصدقين معاناتي أو تتهميني بالمبالغة إلا أنها هي الحقيقة التي باتت تؤرقني في لحظات حياتي، نظل أياماً يقتلنا الجوع نفترش آلامنا على أرضية المنزل الخاوية من مظاهر حياة البشر ". وأضافت أبنائي الشباب أحدهم يعاني (ورماً في الحلق)، والآخر تنتابه حالة نفسية وتشنج يصبح بعدها بقايا بشر مُسجى على الأرض، تراكم إيجار الشقة على كاهلي حتى بلغ 17500 ولم أستطع دفعه فليس لي مورد، وأبنائي يطحنهم الزمن معطلين عن العمل – الحياة – الصحة، بناتي زهرات عمري يعانين فقر الدم، يعتصرني الألم وأنا أجد شبابهن يذبل مع الفقر المدقع الذي أضحى شبحا يطاردنا، أعيش على مبلغ الضمان الذي لا يُسمن من جوع، فلا أستطيع دفع الإيجار ولا توفير ثمن المواصلات ولا أبسط معيشة البشر. وبنبرة حزنٍ وندمٍ قالت: في لحظة استبدّ بي الشيطان وقررت الانتحار لعجزي عن توفير متطلبات الحياة لأبنائي، إخوتي يفترشون الأرض إلحافا وقد باعوا ما يملكون لإعانتي على تربية الأبناء وتوفير العلاج لهم. أصابني مرض في الأعصاب وأتناول أقراصاً مهدئة كي أستطيع النوم هرباً من جحيم حياتي الذي لا أستطيع الفِرار منه، أشعر بعدم الأمان ويقتلني الخوف على مستقبل أبنائي إذا واجهني القدر المحتوم فلمن يذهبون؟ وكيف يواجهون شظف الحياة؟ وتابعت لا أستطيع قضاء احتياجاتي وأنا حبيسة العكازين، تميد بي الأرض وألملم أحزاني وأظل انتظر رحمة ربي، لا أملك سوى دموعي أنيستي في حياتي الموحشة، ودعائي لرب العالمين أن يفك كربتي أو يتغمدني برحمته في العالم الآخر. سألتها في ختام حديثها معي إذن ماذا تطلبين ؟ سبقتها دموعها، وقالت: ما أطلبه ليس لنفسي أنا أشعر إني بلا روح أيامي متثاقلة، أدعو ربي أن ألقاه فهو أرحم بي من هذه الدنيا التي دائما ما ضنت علينا بمقومات الحياة، فأصبحت مع أبنائي أمواتاً غير أحياء. وتابعت قائلة: جزاك الله خيراً أريد تسديد إيجار البيت الذي أرهقني، وتسديد ديوني التي أثقلت كاهلي، أتمنى أن يحتويني بيتٌ لي عوضاً عن مسكننا الخانق الذي ينطق بجفاء الدنيا لنا ". للاستفسار والتواصل مع الحالة يُرجى المراسلة على البريد الإلكتروني الخاص بالقسم الإنساني : [email protected]