حذر إمام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة الشيخ الدكتور صالح بن محمد آل طالب من خطورة التسلية والفضول بتداول مقاطع وصور للجماعات والتنظيمات الإرهابية، ما قد يكون سبباً في نشر شر من حيث لا يعلمون، وقال آل طالب: ما يتداوله الناس في وسائل الاتصال من مواد مرئية أو مسموعة أو مقروءة لغلاة وخوارج، قد يكون أكثر نشرها بهدف التسلية والفضول، في حين أنها قد تقع في يد من ينجذب لها ويعجب ويتأثر، فيكون المتسليّ سبباً في نشر شر من حيث لا يعلم. وقد قال الله تعالي: "وَإِذَا جَاءَهمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدّوه إِلَى الرَّسولِ وَإِلَىٰ أولِي الْأَمْرِ مِنْهمْ لَعَلِمَه الَّذِينَ يَسْتَنْبِطونَه مِنْهمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْل اللَّهِ عَلَيْكمْ وَرَحْمَته لَاتَّبَعْتم الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً". واستنكر ال طالب علي بعض طلبة العلم الجرأة على إصدار الفتاوى والآراء بشأن الأحداث الجارية حولنا، كإيجاب اللحاق بمن هناك، ودعم طائفة مقاتلة دون طائفة أخرى، وتغليب فصيل على فصيل.
وعدّ آل طالب في خطبة الجمعة اليوم الهجمات التي استهدفت منفذ الوديعة الحدودي بأنها شر من شرور تنظيمات الغلاة والخوارج التي طالتنا، وقال: قد طال بلادنا شر من تلك الشرور، آخرها ما حدث في جنوب المملكة من حمل غلاة للسلاح والخروج علي جماعة المسلمين، وقتل الأنفس المعصومة في نهار رمضان المبارك، خسروا الدين والدنيا وباعوا أوطانهم وأحدثوا حدثاً عظيماً في شهر كريم وفجروا في بلاد أهلها صائمون قائمون وأزهقت انفسا صائمة حارسة للمسلمين نعوذ بالله من شؤم الخاتمة وسوء المصير.
وناشد آل طالب من لحق بهؤلاء الغلاة بالعودة لصوابهم، فقال: عودوا واستعتبوا مادامت أرواحكم في أجسادكم، ولم يختم بعد عملكم، وإياكم أن يريق سلاحكم دم مسلم، وتتخوضوا في فتن انتم فيها في عافية، وذكرهم بأن في عنقهم بيعة لإمام ملزمون بطاعته نهاهم عن الخروج وفي تلك الديار رجال لا يزايد عليهم، لافتا بان بلادنا وبلاد المسلمين قد جربت مرارة النفير لمواطن الصراع بعد أن عاد في كثير من أحواله بدعاً وتكفيراً واستحلال دماء وتفجيراً، وبرر الثورة في العراق بان العالم يتفهم ان تنتفض عشائر علي من سفك دمائها واعتقل بنيها واعتدى علي بعض نسائها وهجر بعض المسلمين السنة من ديارهم.
ودعا آل طالب الله تعالى أن يجزي رجال الأمن خير الجزاء، قائلاً: من منبر الكعبة المشرّفة وفي جمعة من رمضان دعوات وشكر لرجال أمننا الذين يرابطون في الثغور وفي داخل البلاد، خصوصا في هذا القيظ وهم صائمون جزاكم الله عن الصائمين والقائمين والمعتمرين خيرا فعملكم ان شاء الله مأجور وسعيكم مشكور رحم الله شهدائكم واخلف الله في أهليهم خيرا وجبر المصابين منكم وثبتكم علي الحق والخير ولعل الله يلحقكم ثواب كل من تعبّد في هذا البلد، وكان الأمن سببا في قيام هذه العبادة من صلوات الجماعة والاسفار إلى الحرمين وأداء مناسك العمرة والحج.
وأضاف آل طالب: وهذه الأيام تضجّ المساجد بالتراويح مما لم يكن ان يتم لولا لم تأمن السبل ويأمن الناس وبالله ثم بكم كفاية.
كما أهاب الشيخ ال طالب بطلبة العلم ورجال الإعلام ان يكونوا علي مستوى الحدث في التحليل والبيان فهذا دين لا مجاملة فيه ولا مساومة عليه.
كما قال: علي وسائل الإعلام والكتّاب ألا يزيدوا الشرر ويقيموا المبّرر للغلاة بتجاوزاتهم في دين الله أو إيذاء المصلحين واتهام شريعة الله واتهام مناهج تعليمنا بصناعة ذلك الفكر المتطرف مشيراً بأن فكرة الغلو والخروج خصوصا هي أول بدعة ظهرت في الإسلام، لافتا بان اكثر حملة هذا الفكر المتطرف نشأوا ودرسوا في بلاد تحكمها العلمانية فلتنتهي المزايدات والاتهامات وعيب علي فرد يستغل مصاب بلده لتمرير أجندته وشهواته.
ودعا إمام الحرم السكان المجاورين للبلاد التي تشهد صراعات بالبعد عن الأثارة، والكف عن التهييج والحرص علي وحدة الصف الداخلي، فقال: يا يأيها المسلمون عامة وخصوصا من لهم جوار مع البلاد المضطربة كونوا علي قدر من الوعي والمسؤولية فان الحالة التي تمر بها المنطقة العربية لا تتحمل تصّدع في الصف الداخلي في لحظة تمر بها المنطقة بإرهاصات خطيرة يراد منها أن تتغير منها حدودها وسياستها وتحالفها في توجيه لمصير مظلم، وأضاف فكفوا عن التهييج والتأليب واطّرحوا الإثارة ولا تكونوا "كمن يطِب زكاما فيحدث جذاما " وحض الحكام والمسؤولين في البلاد العربية والإسلامية بالعدل تقطعون الطريقة علي كل مصطاد وبتأدية الحقوق يخنس كل متربص.
واستهجن الشيخ آل طالب إمام وخطيب المسجد الحرام مشهد الفوضى في بلاد المسلمين، فالمصليّان يقتتلان والصائم يقتل صائما وقال إن الأمة اليوم مثقلة بالإلام ومثخنة بالجراح فالمسلمون اليوم أكثر ما كانوا حملا للسلاح وبذلا للأرواح ولكن علي بعضهم، فالصائم يقتل صائما والمصليّان يقتتلان، وكل منهما يريد الفردوس بدم صاحبه في مشهد فوضوي يجعلنا نشهد موسما للانكسارات والانتكاسات.
وتابع يقول: كثير من بلاد المسلمين اليوم بها احتراب وبأيد كثير منهم أسلحة وحراب وعلي رغم احتلال بعض ديارهم وتشتيت أهلها إلا أن السلاح موجه لإخوانهم وتحول معنى التحرير عند بعضهم إلى استلاب أرض إخوانهم المسلمين التي بها مساجدهم وبيوتهم وأسواقهم، وألبسوا جريمة انتهاك الأعراض لباس "السبي" فيستبيحون الأعراض المسلمة المصانة باسم الله وشرعه.
وأكد آل طالب أن كياناً يقوم علي خفر العهود واستحلال الدماء المعصومة والغدر بإخوانهم، لهو كيان مفضوح الهدف ومهتوك الستر ولو تسمى بأجلّ الأسماء فإن الله لا يصلح عمل المفسدين.
ووصف تنظيم "داعش" بأنهم شرذمة جاهلة زالت الإنسانية من صدروهم لعبت بها مخابرات العدو لعبتها ونصبتهم عليهم شياطين في هيئة شيوخ فأفسدوا على المظلومين مطالبهم العادلة في العيش الكريم وفتحوا الباب لتقسيم بلاد المسلمين وشرذمة شعوبهم فيستحلون الدم الحرام بأبشع قِتْلة فتجلي استحقاقهم وصف النبي صلى الله عليهم "هم شر الخليقة" بقوله : "إِنَّ بَعْدِي مِنْ أمَّتِي قَوْمٌ يَقْرَءونَ الْقرْآنَ لاَ يجَاوِز تراقيَهم يَخْرجونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَخْرج السَّهْم مِنَ الرَّمِيَّةِ ثمَّ لاَ يَعودونَ فِيهِ همْ شَرّ الْخَلِيقَةِ" و "الخوارج كلاب النار" وفي الصحيحين قال النبي صلى الله عليه وسلم عن وصف الخوارج "يَقْتلونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ لَئِنْ أَدْرَكْتهمْ لَأَقْتلَنَّهمْ قَتْلَ عَادٍ "مشيراً إلى أن جماعات وعصابات في مواطن الفتن قد أخذت بحظ وافر من هذه الأحاديث أذاقوا المسلمين والمجاهدين السوء وانخدع بهم شباب من بلاد المسلمين وقد نجحوا في إقناع أعداد غير قليلة منهم بأن بلادهم التي قدموا منها دار حرب وأن أهلهم أعداء محاربون وأن أمهاتهم وأخواتهم وبناتهم وأزواجهن حقّهن السّبِي، وروجوا بأنه لم تعد في الدنيا بلاد إسلام إلا الأرض التي استباحتها عصابة باسم الخلافة وما ثمة مسلمون إلا من بايعوا رئيس تلك العصابة في أحوال توجب علي العلماء وأصحاب الرأي تسمية الأشياء بأسمائها وتجلية ألاعيب العدو وصناعة المخابرات المعادية، أولئك قوم لا غرض لأسلحتهم إلا صدور المسلمين ولا هدف لمخططاتهم إلا بلاد المسلمين.
ولفت إلى أنه في خضم الصراعات العربية يأبي الصهاينة المحتلون إلا تذكير الناس أنهم عراب الظلم في اعتداء علي فلسطين وان تخاذل المجتمع الدولي عن كف اعتداء الكيان المحتل بل وحمايته وتبرير جرائمه كفيل بألا يجعل العالم في مأمن وأن الغيظ الذي يشعلونه في نفوس الأمة سيشعل نارا لن تنطفئ ولا غالب في هذه الأزمات إلا الله ففروا إلى الله واعتصموا بالله واصبروا وصابروا ورابطوا لعلكم تفلحون.