أخرج الدلو من بين ركام منزله هما فقط من نجيا من المحرقة نصب الدلو مزهرية على باب المنزل الخرب لم يضع في مزهريته الشاحبة زنابق أو بنفسجاً بل حجارة قانية شقفاً من حجارة مطهرة بدم والده الشهيد مع كل شروق شمس يخرج كنعان ليحتطب ليحتطب الرصاص كنوع من الواجب يجمع علب الرصاصات الفارغة ليقدّر عدد القتلى لكي لا تخونه الذكرى يجمع تلك الرصاصات التي بقيت دليلَه ما بعد الألف على يتمه وليستخدمها دبابيس يعلق بها صورهم على حائط مهدوم صوراً لأبيه وأمه وأخيه وعمه وخاله وجده وأخته وصاحباً قضى معه ثلثي عمره كنعان عمره أقل من عمر منزله ومن عمر مزرعة والده المجرّفة هو أكبر من علب السردين التي تمنعه من الموت هو أكبر من ملايين تعتبر نفسها شعوباً أكبر منهم أجمعين على رغم صغره وفاقته كنعان... أعوامه بعدد حواريي المسيح لكنه رأى فيها ما لا طاقة لخنساء أو بلال به وسوسن رسمت قتلاها بألوان شمعية ذات الرداء الأزرق في اللوحة... أمها أحاطتها سوسن بقلب تتذكر فيه الحنان كانت ترسم لتنفس عن ذلك الشعور بالخذلان من بني إسماعيل ثمّ تلون وجهها بالأخضر الشمعي كوجوه أولئك الذين قتلوا أهلها فتبكي أختها النوّارة الصغرى من الذكرى وتأتي ذبابة لتغازل وجه سوسن طمعاً في التحول إلى نحلة لو حطت على الجبين المقدس ومع كل غروب يجتمع اليتامى تجتمع الطفولة الباقية في جو محروم من الابتسام ... وتمضغ الذكريات كل غروب يجترون الذكريات حتى لا ينسوا ذلك الحنان المغيب حتى لا يفقدوا شعور الانتقام يضعون قبضاتهم الوديعة فوق بعضها وتحدّق الأبصار ويمضي شريط الذاكرة المحترق دون دموع فالدمع كالابتسام ممنوع